انطلاقاً من واجبي القومي العربي الخالص الذي أفخر بالانتماء إليه وأسعى دوماً إلى تحقيقه لأنني حريص على التمسك بالهوية والأرض العربية، أكتب هذه السطور مع علمي المسبق أن البعض سيبدي عتباً عليّ والبعض الآخر سينبري معارضاً لمضمون هذه الأسطر وربما يذهب أبعد من ذلك، وأنا أتفهم حرية التعبير وأتقبلها بصدر رحب آخذاً بالاعتبار مشاعر الحقد والغضب التي تعتمر صدور الأحبة السوريين والعروبيين جراء موقف القيادة الأردنية المتآمر على سورية.
لكن دعونا نتجاوز المشاعر الساخطة والحاقدة ولو لبرهة ونحكّم المنطق والعقل لأن ما يتعرض له شعب الأردن الشقيق اليوم ونذر تطوره نحو الأسوأ، ليس بالأمر العابر بل هو تطور له محاذير ومخاطر جمة ليس على الأردن فقط إنما على المنطقة برمتها.
وعلى الرغم من الدور السيئ والمتآمر الذي شاركت فيه القيادة السياسية في الأردن وعلى رأسها الملك عبد اللـه الثاني الذي فتح بلاده وجعلها مركزاً للتآمر على سورية العروبة، فإن الوقفة المشرفة لقيادات بارزة في الجيش العربي الأردني التي رفضت الاشتراك بالمؤامرة على سورية أو الانصياع لأوامر الملك نفسه، يجب أن تُحسب وألا تنسى لأن الأردن الشقيق يزخر بشخصيات وطنية عروبية أعلنت جهاراً نهاراً وقوفها إلى جانب سورية وشعبها، رافضة سياسات ملك الأردن ضد سورية العروبة.
لم يعد خافياً على أحد نتائج ما سمي بالربيع العربي في كل من تونس وليبيا ومصر وسورية وغيرها، جلها بدأ بمطالب شعبية وانتهى بكوارث «الفوضى الخلاقة»، فأزيحت قيادات واستبدلت بقيادات تمالئ السياسة الأميركية الإسرائيلية وطيعة لإرادة واشنطن وتل أبيب وموافقة على الحلول المذلة للقضية الفلسطينية على حساب بلادنا العربية نفسها، وجاء ذلك مترافقاً مع ممارسة العربدة الإعلامية على شعبنا العربي وغسل الأدمغة الضعيفة لجعلها قابلة بتهويد القدس الشريف والاعتراف بالكيان الإسرائيلي الغاصب المحتل لفلسطين العربية وذلك بالترويج لفتوى مضللة من هنا أو بحملة تشكيك بالحق الفلسطيني من هناك، وكلها تمارس عبر شاشات البروباغندا الإعلامية الممولة من بعض أنظمة الخليج العربي.
لن استفيض بالشرح لأن الشعب العربي أضحى على دراية كاملة بما يخطط لبلادنا العربية تمهيداً لتمرير «صفقة القرن» الهادفة إلى طمس الحقوق الفلسطينية ومعها تهويد القدس، وبذلك يكتمل عقد المؤامرة على الوطن العربي الرافض لأي تسويات أميركية إسرائيلية على حساب شعبنا ووطننا العربي بوساطة استنفار طلبات البنك الدولي الهادفة إلى إفقار شعبنا وتشريد وتفكيك مجتمعنا العربي تمهيداً للإذعان لمخطط أميركي إسرائيلي يستحوذ على مبتغاه بالسيطرة على فلسطين والقدس.
إن ما يتعرض له شعب الأردن الشقيق هو استكمال لما خطته المجموعة المتصهينة في الإدارة الأميركية لوطننا العربي وفي مقدمتهم هنري كيسنجر ومادلين أولبرايت وميشال بايبس وكوندوليزا رايس وبول ولفووتس وبرنارد ليفي ومايكل بنس وغيرهم، وخاصة تلك المؤامرة الكونية المستمرة على سورية العروبة منذ العام 2011 لمعاقبتها على دعمها واحتضانها الشعب الفلسطيني، وللقضية المركزية العادلة والمحقة فلسطين، وأيضاً لوقوفها إلى جانب المقاومة ضد العدو الإسرائيلي، وها نحن اليوم نشهد في الأردن بداية مشهد مماثل لما أصاب سورية العروبة وإن كانت أسباب ما يشهده الأردن مغايرة عن أسباب معاقبة سورية إنما باستعمال الأسلوب ذاته ولتحقيق الهدف نفسه.
إن ما يواجهه الأردن هو معاقبة جماعية لشعب الأردن الرافض تنفيذ ما سمي بـ«صفقة القرن» التي لا تهدف فقط إلى طمس القضية الفلسطينية فحسب، بل إلى تهديد مباشر بإزالة المملكة الأردنية الهاشمية من الخريطة العربية وجعل المملكة الوطن البديل للفلسطينيين.
إن الخطر المحدق بإزالة الأردن الشقيق هو خطر حقيقي وليس من باب التكهن أو التحليل، بيد أن ما صرح به الباحث اليهودي في واشنطن تيد بيلمان وهو صاحب موقع «إزراييل بندت» يثبت هذا الخطر بأنه جدي وذلك حين قال: إن الأردن هو البلد الأمثل لحل النزاع العربي الإسرائيلي وإنهاء ما يسمى بالقضية الفلسطينية، وإننا نرى أن السيطرة على الأردن أمر سهل في حال لم يقبل الأردن بـ«صفقة القرن» وإن خطة تسليم الأردن إلى المعارض الأردني مضر زهران المؤيد للسياسة الأميركية الإسرائيلية أعدت بإتقان.
أمام هذا المخطط المعد سلفاً للأردن أميركياً وإسرائيلياً، وأمام مشهد البدء بإجراءات معاقبته، لا يمكن لأي عاقل عروبي مخلص الموافقة أو المساعدة على استكمال المشروع الصهيو أميركي بمعاقبة الأردن أو الوقوف موقف المتفرج حتى لا نقول الشامت بما حصل ويمكن حصوله للأردن كدولة عربية.
إن ما يجري في الأردن هو خطر داهم سينسحب على أمتنا العربية عاجلاً أم آجلاً، يحتم علينا استدراك ذلك الخطر والتفكير بمد يد العون للشعب الأردني الشقيق وألا نحاسب هذا الشعب العربي على أخطاء خيارات قياداته المتآمرة.
إن بعض المواقف الشامتة بما يحصل في الأردن هي مواقف تعبر عن جهل بما يحاك ضد وطننا العربي بل هي الوغول في تنفيذ المؤامرة الأميركية الإسرائيلية على الأردن وعلى فلسطين ذلك عن علم مسبق ومن غير دراية بخطورة المشهد.
إن العمل الدؤوب والبحث الدائم عن إمكانية إيجاد سبل للتعاون العربي المشترك مهما كان صغيراً أو كبيراً، هي مهمة كل عربي وقومي وواجب علينا استثماره لدرء المخاطر المحدقة بمنطقتنا وصوناً لأوطاننا ومجتمعاتنا وحفاظاً على هويتنا العربية كي تبقى فلسطين قضيتنا الأساسية ولتبقى القدس قبلة جهادنا في مواجهة العدو الإسرائيلي المحتل المغتصب لفلسطين العربية.
هذا ما تعلمناه من مدرسة القومية العربية وهكذا كان ديدن الرئيس الراحل حافظ الأسد ودأب على تحقيقه الرئيس بشار الأسد، وهكذا تعلمنا من مبادئ المدرسة القومية العروبية لكل من الرئيس سليم الحص والرئيس إميل لحود.
نختم بالقول: وجب علينا التحلي بالوعي والضمير العربي لأن شعب الأردن الشقيق بحاجة إلى قوميتنا وعروبتنا الحقيقية ليس دفاعاً عن قيادته السياسية بل دفاعاً عن دور القيادات الأردنية الوطنية العروبية ومنعاً لإزالة الأردن من الخريطة العربية ودفاعاً عن فلسطين وحفاظاً على هوية القدس العربية.