أيّـاً تكن الأسباب والمبرّرات الملحّة التي حتَّمت توقيع مرسوم التجنيس، فإنَّ هذا الموضوع على خطورته يلقى ردّة فعل صادمة، حتى لو كان المجنّس الفلسطيني من رُسُلِ السيد المسيح، والمجنّس السوري من رهبان مار مارون.
ذلك، لأنّ هذا اللبنان وطـن الستة آلاف من السنين يكاد يسقط من أحضان التاريخ، ولأن هذا الوطن، الرسالة الروحية الى العالمين يكاد يصبح رسالة مكتوبة بغير الخطّ الإلهي.
ولأن هذا اللبنان التاريخي والجغرافي والحضاري والديمغرافي، يعاني الغرق حتى الإختناق في عصر جيولوجي بشري غريب، حتى أصبح لبنان في لبنان، هو الغريب.
نقرأ في مقدمة الدستور اللبناني البند «أ» «أن لبنان وطنٌ نهائي لجميع أبنائه» ونتطلّع الى لبنان الواقع، فإذا هو وطنٌ موقتٌ لأبنائه ونهائي لأبنائهم.
ونقرأ في مقدمة الدستور البند «ط» أَن توطين الفلسطينيين ممنوع في لبنان، فيما التوطين الفلسطيني بمرسوم شرعي يعني أنَّ طريق فلسطين تمرّ حقاً في جونيه.
ونقرأ رسائل الطمأنة حيال التوطين السوري في لبنان، فيما نرى أن السوريين واللبنانيين الذين قال فيهم الرئيس حافظ الأسد إنهم شعب واحدٌ في دولتين، قد أصبحوا شعبين في وطن واحد.
نحن نفهم، أنَّ من شروط منح الجنسية بحسب القانون الصادر سنة 1925 أن يكون المستحقّون من الذين قدّموا خدمات جلّى الى لبنان، ولا نفهم كيف أن بعضاً من المجنسين ينتسبون الى بلدان كان لها غير يدٍ في تدمير لبنان وتهديم بُنْيتِه وتقويض بنيانه، وتهجير أبنائه وتشويه صورته النموذجية.
ومثلما كنّا نفهم أنّ لبنان الأخ الشقيق والسنَد العريق لأخوانه العرب، عليه أن يتحمل عاهات أحوالهم وأوزار أنظمتهم، فقد بات علينا أن نفهم بعد كشْفِ القيود في دوائر النفوس العربية، أنْ ليس من قطْرٍ شقيق وأخٍ عربيٍ شقيق، حتى إذا ما ناديتَ يا أخي فلا يجيبك إلا الذين ولدتهم أمّك.
لبنان يا سادة، ليس ذلك الوطن اللقيط الذي وُلِد من التاريخ بالزِنى، إنه توأم التاريخ منذ آلاف السنين، هو في النصوص التاريخية القديمة جبل الله المقدس، وهو في الكتاب المقدس وطن الأرز الخالد، وفي نصوص بعض فقهاء المسلمين «أن الكعبة أولى الحرمَيْنِ الشريفَيْنِ قد دخل في بنائها حجارة من جبل لبنان» (1)... وإن بين هذا اللبنان وبين إنسانه علاقة تراثية ملتحمة بالأرض، تلتصق في تكوينه البيولوجي.
هذه أرض سماوية الوجه، ونحن نفرِّط تكفيراً في طهارتها...
نحن نعترض على مرسوم التجنيس وندعم النزوح السوري في لبنان...
نحن نفتح الأبواب للصوص ثم نقاتلهم في غرف النوم...
نحن نستقبل الضيوف بأكوابٍ من الخمر المعتَّـقة ثم نترنَّح بالدم المسكوب في الأقداح.
نحن.. حرية وعبودية، دولة ومزرعة، نظام وفوضى .. وقاتلٌ هو القتيل.
أيّـاً يكن هذا المرسوم الذي وقّعة الرئيس ميشال عون، فلا أظن أنه يتشابه مع ذلك الذي وقعه الرئيس الياس الهرواي، الذي كانت تلوّح فوق رأسه هراوةٌ سورية غليظة. ولا أظن أننا نخشى مع الرئيس ميشال عون في أي مرسوم أو قرار، أن نصل الى يومٍ يطلب فيه اللبنانيون أن يتجنَّسوا لبنانيين في لبنان.
-1 تراث لبنان الحضاري - ص : 22 – أنطوان خوري حرب.