منذ بداية حركة النزوح السوري إلى لبنان، قبل نحو 7 سنوات، لم تنجح الدولة اللبنانية في إقرار سياسة موحدة لمواجهة هذه الأزمة، بسبب الانقسام السياسي بين قوى الثامن والرابع عشر من آذار، الأمر الذي أدى إلى تفاقمها اليوم بالشكل الذي بات يعرفه الجميع، بما تحمله من تداعيات على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والأمني، حتى أن وجود وزارة دولة لشؤون النازحين، في حكومة تصريف الأعمال الحالية، لم يوصل إلى أي نتيجة.
على مدى الأشهر السابقة، رفعت قوى الثامن من آذار، بالتحالف مع "التيار الوطني الحر"، الصوت عالياً من أجل الذهاب للتنسيق مع الحكومة السورية رسمياً لمعالجة هذه الأزمة، لا سيما أن دمشق تبدي استعدادها لهذا الأمر، لكن في المقابل كانت قوى الرابع عشر من آذار ترفض ذلك بالمطلق، مصرة على ضرورة التنسيق مع الأمم المتحدة، إلا أن مؤسسات الأخيرة، على ما يبدو، ليست في هذا الوارد، حيث كان مشروعها العمل على "دمج" النازحين، و"ترهيب" من يرغب منهم بالعودة طوعياً.
بعد الانتخابات النيابية، كان من الواضح أن هذا الواقع لن يستمر على ما هو عليه، بحسب ما تؤكد مصادر مطّلعة على هذا الملف عبر "النشرة"، في ظل ما يصدر من مواقف مريبة من قبل بعض الأوساط الدولية، ما يحتم على الدولة اللبنانية التحرك لحماية مصالحها، كي لا يتكرر سيناريو ما حصل مع اللاجئين الفلسطينيين إلى لبنان، وكان من المفترض أن يكون هذا الملف على رأس قائمة الأولويات بعد الانتهاء من التشكيلة الحكومية، في ظل إصرار بعض الأفرقاء على تضمين البيان الوزاري ما يشير إلى ذلك، إلا أن المعضلة الأساسية في مكان آخر.
في هذا السياق، تشير المصادر نفسها إلى أن بعض الأفرقاء المحليين، نتيجة لضغوط أو طلبات خارجية، لا يريدون الوصول إلى حل لهذه الأزمة، لاستخدامها لاحقاً كورقة ضغط على الحكومة السوريّة، وتؤكد بأن المواجهة الكبرى كانت متوقّعة، بعد تشكيل الحكومة، على طاولة مجلس الوزراء، بسبب وجود أكثريّة وزاريّة ونيابيّة تريد الانطلاق في مرحلة الحل عبر التواصل مع دمشق، لا سيما أن الحجج التي يقدمها المعارضون، لناحية ضرورة الالتزام بسياسة النأي بالنفس ورفض الاعتراف بالسلطة السوريّة القائمة، غير منطقية، فالأمم المتحدة نفسها لا تزال تتعامل مع تلك السلطة على أساس أنها الممثل الشرعي الوحيد لشعبها.
في ظل هذه المعطيات، جاءت الأزمة بين وزير الخارجية والمغتربين في حكومة تصريف الأعمال جبران باسيل والمفوضيةالعليا لشؤون اللاجئين في لبنان، بسبب ممارسات الأخيرة غير المنطقية، عبر سعيها إلى تشجيع نازحين سوريين في بلدة عرسال،راغبين طوعياً بالعودة إلى بلادهم،على عدم العودة،الأمر الذي يناقض المصلحة اللبنانيّة، حيث من غير المنطقي أن يستمر لبنان في دفع ثمن تداعيات الأزمة السوريّة، بحسب ما تؤكد المصادر نفسها، وتشدد على ضرورة أن يكون هناك سياسة لبنانيّة موحدة حول هذا الملف، لا سيما أنها ليست المرة الأولى التي تقوم هذه المفوضية بمثل هذه الأفعال.
وعلى الرغم من هذه الدعوة الواضحة، لا تتردد المصادر المطلعة على هذا الملف في التأكيد بأن الأزمة الأخيرة ستكون مادة سجال كبيرة في الأيام المقبلة، كما أنها قد تنضم إلى العوامل التي تعيق ولادة الحكومة، خصوصاً أن رئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري غير موافق على الإجراء الذي قام به وزير الخارجية والمغتربين، والأمر نفسه ينسحب على باقي الأفرقاء في قوى الرابع عشر من آذار، بالإضافة إلى "الحزب التقدمي الاشتراكي"، وتضيف: "على ما يبدو أزمة النزوح باتت، كالاستراتيجية الدفاعية، من الملفات التي لا يمكن التوافق حولها".