ذكرت "الاخبار" انه بعد أن تحولّت الحكومة الحريرية إلى حكومة تصريف أعمال، صدر في 29 أيار الماضي مرسوم تعيين 32 قنصلاً فخرياً، مذيلاً بتوقيع رئيسي الجمهورية والحكومة ووزير الخارجية ومن دون توقيع وزير المال علي حسن خليل. الخطوة تُنبئ بأزمة جديدة بين الرئاستين الأولى والثانية، على غرار ما حصل مع "مرسوم الأقدمية" للضباط.
واوضحت ان القصّة ليست فقط في كون المراسيم مطعونٌ بشرعيتها الدستورية، لأنّها صدرت خلال فترة تصريف الأعمال، بل لأنّها لم تمرّ على وزارة المال قبل إصدارها. هنا، تتبدى إشكاليتان، أولى، في الشكل، بتجاوز توقيع وزير المال، وثانية، في المضمون، لجهة تجاوز مكون أساسي (أمل وحزب الله). القناصل الـ32، المُعينون في 29 أيار، يُشكلون الدفعة الثانية من تعيينات "الفخريّين"، والتي لم يُراعَ فيها التوازن الطائفي ولم يُستشار حزب الله وحركة أمل في الأسماء التي يرغبون في تعيينها. أمّا الدفعة الأولى، وتضمّ أكثر من 10 قناصل، فقد أُنجزت في 22 شباط الماضي، على رغم عدم مراعاة التمثيل الطائفي، وهو ما وعد باسيل حزب الله بمراعاته في الدفعة المقبلة.
واوضحت انه في نيسان الماضي، أحال باسيل إلى وزارة المال 13 مرسوماً لتعيين قناصل فخريين (13 قنصلاً)، تحتوي على أربع خانات: خانة لتوقيع رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية ووزير المالية. لم يوقع الأخير، في حينه، المراسيم لورود اسم مُنسق التيار الوطني الحر في ألمانيا حسن المقداد، وما اعتُبر وفق الصيغة اللبنانية الطائفية، "تدّخُلاً" في تسمية القناصل المحسوبين على الطائفة الشيعية. شكّل ذلك، "مادّة انتخابية" لباسيل، خلال جولاته على المغتربين، مُتهماً حركة أمل بعرقلة تعيين قناصل فخريين. هنا لُبّ الخلاف الجديد حول المرسوم.
ولكن، كان من المفترض أن تُشكّل العلاقة بين عون وبرّي، التي يسودها جوّ من الوئام والتنسيق، "درعاً" ضدّ هذه التصرفات. مع وجود قناعة مشتركة بفتح صفحة جديدة من التعاون الرئاسي لمصلحة تفعيل وتزخيم عمل المؤسسات. ولا "مُبرّر" سياسياً أو دستورياً، في المقلبين، لإعادة تسخين جبهة بعبدا - عين التينة. التوقيت لا يسمح بذلك، خصوصاً أنّ البلد أمام استحقاقات داهمة تبدأ من تشكيل الحكومة، ولا تنتهي بالأطماع الاسرائيلية وترسيم الحدود، مروراً بالتحديات الاقتصادية والمالية. كما أنّ "التجارب" يُفترض أن تكون قد "علّمت" المعنيين، بأنّ لبنان محكومٌ، لا بل مجبولٌ بالتوافق، ومن غير الممكن "تهريب" أي مرسوم. أصلاً، لم يجفّ بعد حبر تجميد العمل بمرسوم الجنسيّة، وفتح تحقيق للتدقيق بالأسماء الواردة فيه، قبل أن يُنشر مجدداً. أمّا "مرسوم الأقدميّة" الشهير، فلا تزال ذاكرة الرأي العام طرية جداً والكل يتذكّر الخلاف الذي تسبّب به إصدار هذا المرسوم من دون توقيع علي حسن خليل. ولم تُحلّ المُعضلة، إلّا بـ"تسوية"، مُذيّلة بتوقيع وزير المال.
مصادر دبلوماسية أخرى، تُحاول التخفيف من وطأة "تهريبة" المرسوم، بالقول إنّه "بعد صدور قرار إنشاء قنصليات جديدة، كلّ القوى السياسية الأساسية، شاركت في اختيار أسماء القناصل الفخريين". تُنكر أوساط وزير المال ما تقدّم، "فلا بالشكل راعى المرسوم الأصول، من خلال تغييب توقيع وزير المال. ولم يُراع التوازن الطائفي (6 فقط ينتمون إلى الطائفة الشيعية)، أو تمّت استشارة حزب الله وحركة أمل حول الأسماء التي يُزكيان تسميتها". حركة أمل مُنزعجة مما حصل، وحزب الله مُتفاجئ من تصرّف باسيل "الذي جدّد وعده للحزب بأنّه سيُعالج الخلل في المرّة المقبلة"، خصوصاً أن مسؤول وحدة الارتباط والتنسيق في حزب الله وفيق صفا كان قد أثار الأمر مع باسيل، وتمنى عليه عدم تجاوز توقيع وزارة المال.
أنهى وزير الخارجية العمل على "مرسومِه"، ووقّعه رئيسا الجمهورية والحكومة في 29 أيار. إلا أنّ "الضجّة" حوله لم تبدأ فعلياً إلا يوم أمس. تواصل علي حسن خليل مع سعد الحريري، مُبلغاً إيّاه بأنّه في صدد تحضير رسالة يوزّعها على سفارات الدول حيث جرى إنشاء قناصل فخرية. الحريري، الخائف على أن يؤثّر هذا المرسوم في مسار تشكيل حكومته الجديدة، طلب من وزير المال عدم الإقدام على هذه الخطوة، من دون أن يلقى تجاوباً. الرسالة التي سجّلها علي حسن خليل في قلم وزارة المال، أمس، مع رقمٍ خاصّ بها، ستوزّع الاثنين على السفارات الأجنبية المعنية في بيروت، مُترجمةً إلى لغات أجنبية عدّة. مضمونها "تحذيري"، ينصّ على أنّ المرسوم "موضع إشكال دستوري وتشوبه عيوبٌ كثيرة". العمل بالمرسوم يعني "ترتيب أمورٌ لا تخدم العلاقات الثنائية"، بين لبنان وكلّ من الدول المعنية. لذلك، "نتمنّى عدم قبول اعتماد القناصل المُعينين لديكم".