يقف الرئيس المكلف تأليف الحكومة سعد الحريري محتاراً في امره، امام الجبل العالي من مطالب القوى السياسية في ما خص الحصص التي تطالب بها هذه القوى لنفسها في الجنّة الحكومية، وهو امام العدد المحدود المتعارف عليه من الحقائب يُدرك تماماً بأن ليس في مقدوره تلبية هذه المطالب إلا إذا اتفق على ان يكون عدد الوزراء يفوق الخمسين وهذا امرٌ فيه استحالة، ولذا تراه يعتمد سياسة النحت في الحجر في ما خص التفاوض المؤدي إلى التأليف والذي لطالما تتحكم فيه عوامل داخلية وكذلك خارجية.
الثابت إلى الآن ان لا حكومة جديدة في غضون أسبوع أو أسبوعين، وان عملية التفاوض دخلت الآن مدار عطلة عيد الفطر السعيد حتى لا نقول ثلاجة الانتظار، كون ان صاحب العلاقة الأوّل بالتأليف، أي الرئيس المكلف، سيمضي عطلة هذا العيد مع عائلته بعيداً عن المطالب والفيتوات وحرد هذا الفريق أو ذاك بعد ان يزور روسيا ومن ثم يعود إلى لبنان ويحرك عجلة اتصالاته ومشاوراته من جديد علّه يتبدع أفكاراً جديدة نتيجة جوجلته لمطالب الأفرقاء السياسيين تساعده على وضع مسودة نهائية لتوزيع الحصص يناقشها مع رئيس الجمهورية قبل ان يُصار إلى إسقاط أسماء المستوزرين عليها، على أمل ان لا تحول الشياطين التي تسكن في التفاصيل في إطالة أمد التأليف.
وفي هذا السياق، لا ترى مصادر متابعة لتفاصيل مسار التشاور والتفاوض بشأن التأليف أي مبرر لتأخير ولادة الحكومة طالما كل الأطراف تعي المخاطر المحدقة بلبنان ان على المستوى الاقتصادي والمعيشي، أو على مستوى ما يطبخ في المطابخ الإقليمية والدولية من تسوية لأزمة المنطقة يتخوف ان يكون لبنان من بين البلدان التي ستساهم في دفع ثمن هذه التسوية ما لم يكن وضعه الداخلي محصناً بما يمكنه من مواجهة أي تحديات.
وتكشف هذه المصادر ان مشاورات الرئيس المكلف ما تزال في مربع الحصص ولم تنتقل بعد إلى مربع المستوزرين. ويؤكد مصدر نيابي ان العقد التي برزت منذ اليوم الأوّل الذي بدأ فيه الرئيس المكلف مشوار التأليف ما تزال على حالها إن على مستوى التمثيل المسيحي أو الدرزي أو السنّي، فعلى المستوى المسيحي ما تزال «القوات اللبنانية» ثابتة على موقفها في ما يتعلق بالحصص وهي تتمسك بموقع نائب رئيس الحكومة وأربعة وزراء من بينهم وزير دولة، وقد بات من المؤكد ان حقيبة الثقافة ستكون من نصيب الوزير الحالي ملحم رياشي، كما ان هناك توجه لتبقى وزارة الصحة من حصة «القوات» ما لم تتنازل عنها لصالح «حزب الله» مقابل وزارة الاشغال.
اما في خص التمثيل الدرزي، يضيف المصدر النيابي، فإن النائب السابق وليد جنبلاط ليس في وارد التراجع عن موقفه الذي أبلغه للمعنيين بأمر التأليف وهو ان لا يقاسمه أحد الحصة الدرزية، في مقابل تمسك التيار الوطني الحر بتوزير الوزير الحالي طلال أرسلان.
وكشفت المصدر انه في ظل رفض جنبلاط أي بحث خارج الموقف الذي أعلن ربما يخرج التيار الوطني الحر عن موقفه بتوزير أرسلان من خلال فصل النيابة عن الوزارة وهذا التوجه يصطدم بمسألة توزير جبران باسيل ولذا من الممكن التراجع عنه، في مقابل طرح جديد يعمل على حياكته ويتمثل بتوزير نائب رئيس الحزب الديموقراطي اللبناني أي نائب أرسلان النائب السابق مروان أبو فاضل من حصة رئيس الجمهورية ومن الممكن ان يسند إليه موقع نائب رئيس الحكومة في حال تمت تسوية عقدة «القوات» وبذلك تكون قد حلّت العقدة الدرزية.
وفي ما خص العقدة السنيّة يُؤكّد المصدر النيابي ان الرئيس الحريري ما زال مُصراً على عدم توزير أي شخصية سنيّة من خارج إطار تيّار «المستقبل»، لكن يجري التشاور الآن حول إمكانية حصول مقايضة بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة تقضي بأن يتنازل الرئيس عون من حصته عن وزير مسيحي يذهب لصالح تمثيل غطاس خوري من حصة الحريري، مقابل ان يتنازل الأخير عن وزير سني يسميه رئيس الجمهورية، غير ان هذا الطرح لم يحسم وما زال موضع أخذ ورد.
وفي رأي المصدر النيابي ان الرئيس الحريري لن يستطيع تجاهل نتائج الانتخابات النيابية التي جاءت بعشرة نواب لا يدورون في فلك تيّار «المستقبل»، وهو سيجد نفسه مضطراً، في نهاية المطاف، لتوزير شخصية سنية من خارج «المستقبل»، من غير المستبعد ان تكون هذه الشخصية هي فيصل كرامي، كون ان الرئيس الحريري ليس في وارد القبول بتوزير الرئيس نجيب ميقاتي أو عبد الرحيم مراد وكذلك اسامة سعد.
ويرفض المصدر النيابي ضرب أي موعد لتأليف الحكومة، وهو يعتبر ان ما يقال عن ولادة حكومية قبل نهاية حزيران، لا يخرج عن إطار التكهنات أو التمنيات وهو موعد غير مبني على وقائع ملموسة كون ان العقد التي تعترض طريق الرئيس المكلف في التأليف ما تزال على حالها، اللهم إلا إذا فرضت تطورات داخلية أو تحديات خارجية ذهاب القوى السياسية إلى دائرة تبادل التنازلات، وبالتالي الوصول إلى حكومة وفاق وطني تكون قادرة على مقاربة الملفات والتحديات المنتظرة.