على رغم حرب الجبل بينه وبين القوات اللبنانية، عاد رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط وتحالف مع القوات في كل الدورات الإنتخابية منذ عام 2005 وحتى اليوم. وعلى رغم أحداث السابع من أيار 2008 وما شهدته من مواجهات مسلّحة بين الحزب التقدمي الإشتراكي وحزب الله في الجبل، رتّب جنبلاط وضعه السياسي مع الحزب، وتفاهم معه بعيداً كل البعد عن السجالات والإتهامات المتبادلة التي تشهدها علاقته بأفرقاء آخرين. حتى خصومته السياسية مع رئيس تيار التوحيد الوزير السابق وئام وهاب ومع رئيس الحزب الديمقراطي اللبناني النائب طلال أرسلان، لا تمنعه حين يريد من فتح قنوات مع الرجلين ومسايرة أحدهما وترك مقعد نيابي للآخر والقبول بتوزيره. أما رئيس تيار المستقبل سعد الحريري، فيسمح جنبلاط لنفسه بإنتقاده وإتهامه ومهاجمته حين إستبعد "الشيخ سعد" النائب السابق أنطوان سعد عن لائحة البقاع الغربي-راشيا، ولكن في نهاية المطاف يعود جنبلاط ويتحالف معه في كل الدوائر، ومن ثمّ تسمّيه كتلته لرئاسة الحكومة. فقط مع ميشال عون، العماد ورئيس الحكومة الإنتقالية والنائب ورئيس التكتل، وصولاً الى رئاسة الجمهورية، لا يتقبل زعيم المختارة فكرة التفاهم أو التحالف، حتى لو أن علاقة الرجلين شهدت في بعض المراحل تقارباً ولقاءات وزيارات.
حتى رئيس الجمهورية، الذي تفاهم مع حزب الله بعد فترة من الخصومة السياسية، ومع القوات بعد حرب، ومع تيار المستقبل بعد إصداره كتاب "الإبراء المستحيل"، وفتح صفحة جديدة مع سوريا بعد خروجها من لبنان، وإتفق مع رئيس المجلس النيابي نبيه بري على رغم تباعدهما سياسياً، أقله على الأمور الإستراتيجية، يعرف تماماً أن علاقته بجنبلاط لم تشهد يوماً من الإستقرار، لذلك لم تفاجئه تغريدة "البيك" التي وصف فيها العهد بـ"الفاشل".
إنها الكيمياء المفقودة بين الرجلين والتي تجعل مسألة تفاهمهما سياسياً من الأمور شبه المستحيلة. وعن هذه الكيمياء، تسأل مصادر متابعة لتطورات العلاقة بين الرئيس عون وجنبلاط، "كيف للعونيين أن يتفاهموا مع جنبلاط وهو الذي خاض كل المعارك السياسيّة ضدهم منذ فرعية العام 2003 التي منع فيها مرشحهم حكمت ديب من الفوز على رغم حصوله على أصوات الأكثرية الساحقة من المسيحيين؟ وهل لهم أن ينسوا بسهولة التحالف الرباعي في دائرة بعبدا-عاليه الذي شكّل الحزب التقدمي الإشتراكي رأس حربته في العام 2005 وأسقط اللائحة البرتقالية؟ وكيف رفض جنبلاط التحالف مع العونيين في إنتخابات العام 2009 يوم كان القانون الأكثري يسمح له بالتحكّم بكامل النتيجة؟ هذا من دون أن ننسى المعطيات التي يملكها التيار عما يسميه "تآمراً" قام به النائب مروان حماده مكلفاً من جنبلاط، عندما وضعت على نار حامية عودة العماد عون من المنفى بعد إغتيال رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري وإنسحاب الجيش السوري من لبنان في العام 2005.
في المقابل، هل لجنبلاط أن ينسى كيف أن التيار الوطني الحر وبالتحالف مع خصمه المير طلال أرسلان، خرق في إنتخابات العام 2018 لائحته بأربعة مقاعد في دائرة الشوف–عاليه المعروفة بـ"عقر داره"؟.
نعم إنها الكيمياء المفقودة بين زعيم درزي وصف الموارنة يوماً بـ"الجنس العاطل"، وإعتاد أن يهيمن على القرار السياسي في منطقته، وبين زعيم ماروني إستطاع أن يفرض نفسه شعبياً الزعيم المسيحي الرقم واحد، وأن يصل قوياً الى رئاسة الجمهورية، وهنا بيت القصيد، أيّ نظرية الرئيس القوي، ما لم يتقبله جنبلاط يوماً ولن يقبله في المستقبل.