بعد نجاح قوّات "التحالف العربي" في السيطرة على مطار الحديدة في اليمن، إتجهت الأنظار إلى الهدف التالي، أي إلى معركة السيطرة على مرفأ الحديدة، خاصة بعد سُقوط آمال وقف النار في المدى القريب، ومُغادرة المبعوث الخاص للأمم المتحدة مارتن غريفيت، بعد فشله في تسويق فكرة نقل السيطرة على الميناء المذكور إلى قوات دَوليّة لتأمين إستمرار عمل مُنظّمات الإغاثة الدَوليّة. فهل يُمكن أن يُؤدّي سُقوط مرفأ الحديدة بعد المطار، إلى إنتهاء الحرب في اليمن، أم أنّ ما يحصل هو مُجرّد جولة جديدة من الصراع الإقليمي القائم؟.
لا شكّ أنّ المُشكلة ليست في كسب أحد المواقع الإضافيّة لصالح قوّات الحُكومة اليمنيّة برئاسة عبد ربه منصور هادي أو لصالح ميليشيات "أنصار الله"، بل هي عبارة عن صراع إقليمي كبير، تُشكّل السعودية مدعومة من دولة الإمارات وبعض الدول العربيّة والغربيّة والأجنبيّة، رأس حربة فيه، في مُواجهة الإمدادات اللوجستيّة التي توفّرها إيران للحوثيّين الذين يلقون الدعم أيضًا من دول وقوى مختلفة مُناهضة للسعودية. ومن الضروري التذكير أنّه خلال الأشهر القليلة الماضية، وبعد فشل أكثر من مُحاولة للتوصّل إلى حلّ سياسي وسطي، بدأت الأطراف المُتنازعة باعتماد سياسة "عض أصابع" قاسية-إذا جاز التعبير، في مُحاولة لدفع الأطراف المُقابلة إلى تليين مواقفها والرضوخ إلى مُتطلبّات التسوية. وفي هذا السياق، شهدنا تكثيفًا لعدد الصواريخ الباليستيّة التي أطلقها الحوثيّون على أراضي المملكة العربيّة السُعوديّة، في مُقابل تكثيف "قوات التحالف" الضغط العسكري على مواقع "أنصار الله" في أكثر من جبهة.
وفي الأسابيع والأيّام القليلة الماضية، وفي مُحاولة من جانب "قوات التحالف" لإضعاف قُدرة الحوثيّين على الصُمود، جرى وضع خطّة لإسقاط كل من مطار ومرفأ الحديدة(1)، بهدف قطع الإمدادات التي تصل إلى "أنصار الله" من الخارج، مع الإشارة إلى أنّ 70 % من واردات اليمن تمر عبر هذين المرفقين الحيويّين، الأمر الذي يؤكّد أهميّتهما القُصوى. وعلى الرغم من وُجود تخوف كبير من أن يؤدّي سقوط وتدمير كل من مطار ومرفأ الحديدة إلى إحتدام الأزمة الإنسانيّة التي يُعاني منها عدد كبير من سُكان اليمن أصلاً، نتيجة تداعيات المعارك وبالتالي النقص في توفّر المواد الأوّليّة على إختلاف أنواعها، فإنّ "قوّات التحالف" ماضية في هُجومها لأنّ هدفها يقضي بوقف وُصول المعدّات العسكريّة والذخائر وحتى الصواريخ إلى "أنصار الله".
وبحسب أكثر من مُحلل مُتابع للحرب في اليمن، فإنّ ضغط قوّات التحالف العسكري سيستمرّ لإسقاط مرفأ الحديدة، بعد أن جرى إسقاط مطارها، وإنّ هذه القوات لن تقبل بوقف المعارك قبل خروج المُقاتلين الحوثيّين من المرفأ والمنطقة المحيطة ضُمن هذه المُحافظة الساحليّة اليمنيّة المفتوحة والمنبسطة التضاريس، مع العلم أنّه تُوجد حاليًا تدخلات غربيّة لسحب المُقاتلين الحوثيّين من مرفأ الحديدة عبر إتفاق سياسي، تجنّبًا لمعركة جديدة أشدّ شراسة من معركة المطار.
وفي كل الأحوال، وبالنسبة إلى السؤال ما إذا كانت هذه التطوّرات العسكريّة المُهمّة، ستُنهي الحرب في اليمن، فإنّ الجواب المُباشر والبديهي، هو: كلا! فقُدرة "أنصار الله" على القتال لا تزال كبيرة، والإمدادات العسكريّة يُمكن أن تصلهم برًّا، ولو بشكل صعب ويستغرق وقتًا طويلاً مقارنة بالمُساعدات التي كانت تُنقل لهم جوًا وبحرًا خلال مرحلة سيطرتهم على مطار الحديدة ومينائها. كما أنّ "الحوثيّين" ومن خلفهم إيران، ليسوا في وارد الإقرار بخسارة عسكريّة أمام السعودية والقوى الحليفة لها، وهم سيُواصلون القتال في أكثر من جبهة، وسيسعون لإيذاء السعودية عبر الصواريخ الباليستيّة، ولوّ أنّ قُدراتهم القتالية ستُسجّل تراجعًا تدريجيًا بوتيرة بطيئة.
لكنّ الأكيد أنّ التغييرات الميدانيّة الأساسيّة في محافظة الحديدة، ستؤدّي إلى مزيد من المآسي على مُستوى قُدرة الشعب اليمني على تحمّل أوزار الحرب، إضافة طبعًا إلى إضعاف قدرة الحوثيّين على الحُصول على الدعم، ومن شأن هذ التحوّلات أن تفتح الباب أمام إحتمال خفض "أنصار الله" لسقف شروطهم، تمهيدًا للقبول بالتسويات الوسطيّة التي تُحاول بعض الدول الغربيّة تسويقها لإنهاء الحرب في اليمن، بعد أن كانت شروطهم مرتفعة السقف جدًا إلى درجة لم تستطع كل من السعودية والإمارات القبول بها بأي شكل، ما أسفر عن تمديد الحرب اليمنيّة لسنوات، بعد أن كانت التوقّعات تتحدّث عن أسابيع قليلة لانتهائها!.
في الخُلاصة، لا شكّ أنّ الحرب في اليمن لم تنته، والصراع الإقليمي لا يزال على أشدّه، لكنّ تسجيل "قوات التحالف" نقطة إستراتيجيّة لصالحها قد يصبّ في خانة تسريع التسوية السياسيّة. وفي حال الفشل من جديد على هذا المُستوى، سيكون اليمن على موعد مع جولات جديدة من المعارك أشدّ عُنفًا وشراسة من السابق.
(1) كانت جماعة "أنصار الله" قد فقدت سيطرتها على 4 منافذ بحريّة في اليمن، هي: ميناء عدن (في تموز 2015)، وميناء بئر علي بشبوة (آب 2015)، وميناء ميدي بحجّة (2016)، وميناء المخا في تعز (شباط 2017).