لفت الرئيس ميشال عون الى انه يسرني أن أكون حاضراً افتتاح مقر جديد لبطريركية أنطاكيا وسائر المشرق للكنيسة السريانية الأرثوذكسية، لما يحمل هذا الحدث من تشبث بالأرض والجذور، وتثبيت للوجود والهوية، واعتبر ان إنّ افتتاح مقر البطريركية هذا هو ردّ على كل محاولات تفريغ المشرق من بعض مكوناته ورسالة واضحة لمن خطف المطرانين العزيزين يوحنا ابراهيم، إبن هذه الكنيسة، وبولس اليازجي.
اضاف الرئيس عون خلال تدشين المقر البطريركي الجديد لطائفة السريان الارثوذكس في العطشانة – بكفيا، "مسيحيّو المشرق ليسوا بطارئين على هذه الأرض ولا هم جاليات غريبة فيها، ولا يمكن أن يسمحوا لأي ظرف أو أي معاناة أن تقتلعهم منها؛ فهم أهلها وناسها. من هنا انطلقت البشارة على خطى بولس والرسل، من هنا انطلقوا ليتلمذوا جميع الأمم، حاملين رسالة السيد المسيح من المشرق الى الكون، ولقد سالت الدماء غزيرة على هذه الأرض وقدم السريان مئات آلاف الشهداء ومثلهم قدم الأرمن ومسيحيو جبل لبنان، بدءاً من المجازر الحميدية أيام السلطان عبد الحميد الثاني وصولاً الى حرب الإرهاب الحالية والمستمرة منذ سنوات في المنطقة".
وتابع قائلا "كان المسيحيون في حرب الإرهاب ضحية حملة ممنهجة ومنظمة لاقتلاعهم من أوطانهم وجذورهم، وبشكل خاص في العراق وسوريا، بعد أن كانت قد سبقتهم فلسطين، وسط صمت المجتمع الدولي، فاستشهد منهم من استشهد وخطف من خطف وشرّد من شرد. أما معظم من تبقّى فبدأ رحلة البحث عن وطن بديل، هذا النزف البشري يجب أن يتوقف، والسلطات السياسية والروحية مدعوة لاتخاذ ما يلزم من إجراءات لمنع تفريغ الأرض من أهلها، فلا مياه تنساب إذا جف النبع، وأي مشروع يرمي لخلق مجتمعات عنصرية تقوم على الآحادية الدينية أو العرقية هو مشروع حرب لا تنتهي". واعتبر ان المشرق هو مهد الفكر الدّيني وهو نموذج فريد للتفاعل الثقافي والغنى الروحي والمعرفي، وهذا يقتضي منّا جميعاً، مسيحيين ومسلمين، المحافظة عليه وحمايته في إطار احترام حرية المعتقد والرأي والتعبير وحق الاختلاف، ورفض التطرف الديني والقتل والتهجير باسم الدين والله، ولقد درجت العادة على إطلاق تسمية أقليات على بعض الطوائف في لبنان، ونتج عن ذلك حرمانها من بعض حقوقها السياسية كما من بعض الوظائف العامة، ولكن من الخطأ مقاربة الواقع اللبناني من منطلق أقليات وأكثريات.
ورأى ان هذه البلاد منذ فجر التاريخ كانت أرض تلاقٍ لشعوب ومجموعات دينية تهرب من اضطهاد وتبحث عن ملاذ آمن، وكم من أكثرية باتت أقلية وبالعكس؛ في الحقيقة كلنا أقليات، تجمعنا المواطنة والهوية، وكلنا مكوّن أساس من مكونات الشعب اللبناني، ولطالما سعيت منذ كنت رئيس تكتل التغيير والإصلاح لكي يكون للسريان ولسائر المكونات الموضوعة في خانة الأقليات حضورهم في السلطة وتمثيلهم الحقيقي في مجلس النواب، وسأستمر في هذا المسعى كي لا يبقى أي مكون من مكونات مجتمعنا يشعر بالغبن أو بأن حقوقه لا تتساوى مع حقوق سواه، وقد علمتنا التجارب أن الشعور بالقوة أو بالاستقواء من قبل طرف، أو مذهب، أو حزب في لبنان، يخلق عاجلاً أم آجلاً، عدم توازن واستقرار في الحياة السياسية، لا بل أحياناً اضطرابات أمنية.
اضاف "سأبقى مدافعاً عن تجربة العيش المشترك والتوازن والاحترام المتبادل بين مكونات هذا الشعب، سأسعى مع الجميع إلى ولادة حكومة تعكس رغبات الشعب اللبناني، وتوازناته، وتوصل صورة مشرقة إلى العالم عن عزمنا على السير قدماً في مشروع النهوض بالوطن، والاصلاح، والشفافية، ومواجهة الفساد والمفسدين".