بعد الإنتهاء من الإنتخابات النيابية الأخيرة، قرر رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري القيام بـ"نفضة" على مستوى تيار "المستقبل" أطاحت بمدير مكتبه نادر الحريري، على الرغم من "الإخراج" الذي ظهرت فيه المسألة إلى الأضواء، عبر القول أن مدير مكتبه قرر تقديم إستقالته من المهمة المكلف بها، على عكس باقي الإقالات التي قام بها الحريري على مستوى تياره السياسي.
منذ ذلك الوقت، طرحت الكثير من علامات الإستفهام حول هذه "النفضة"، وسط الأنباء عن أنها جاءت بناء لرغبة سعودية، كان رئيس الحكومة المكلف قد قرر تأجيل موعدها إلى ما بعد الإستحقاق الإنتخابي، لا سيما أن نادر الحريري يعتبر "عراب" التسوية الرئاسية مع رئيس "التيار الوطني الحر" جبران باسيل، من دون تجاهل الإعلان أيضاً عن عدم عودة وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق إلى منصبه.
في هذا السياق، تشير مصادر سياسية مطلعة، عبر "النشرة"، إلى أن التوتر على مستوى العلاقة بين "التيار الوطني الحر" وتيار "المستقبل"، على خلفية ملف تشكيل الحكومة المقبلة، يفرض العودة إلى تلك المرحلة، خصوصاً أن الحريري، بحسب ما هو ظاهر، قرر الإلتزام بـ"التمنيّات" السعودية عليه مراعاة لمطالب كل من رئيس "الحزب التقدمي الإشتراكي" وليد جنبلاط ورئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع، نظراً إلى أن الرياض تريد، من خلال التحالف بين الأفرقاء الثلاثة، الحفاظ على التوازن الداخلي مع المحور الذي يدور في فلك الجمهورية الإسلامية في إيران، وهو وجد أن لديه مصلحة في ذلك، في المرحلة الراهنة، بالرغم من التوتر الذي سيطر على علاقته مع كل من جنبلاط وجعجع خلال الإنتخابات النيابية.
من وجهة نظر هذه المصادر، وبناء على هذا الواقع، يصوب الحريري على التسوية الرئاسية مع "التيار الوطني الحر"، خصوصاً أن وسائل الإعلام التابعة لتيار "المستقبل" لم تتردد في توجيه أصابع الإتهام المباشرة إلى وزير الخارجية والمغتربين في حكومة تصريف الأعمال جبران باسيل بالمسؤولية عن عرقلة مهمته، وهي تعتبر أن تسهيل عملية تشكيل الحكومة يفترض إبعاده عنها، وبالتالي هو اليوم لم يعد يضع الحفاظ على تلك التسوية على رأس قائمة أولوياته، بل على العكس من ذلك يسعى إلى تحسين علاقاته مع القوى التي تُصنف في موقع معارضة العهد، خصوصاً أن الملفات التي من المفترض أن تواجهها الحكومة تتطلب منه التعاون مع تلك القوى، بسبب وجود خطوط حمراء لا يمكنه تجاوزها في بعض الملفات الإقليمية، لا سيما تلك المتعلقة بالعلاقة مع الحكومة السورية.
في هذا الإطار، تستغرب هذه المصادر أن يكون الحريري في طور تعطيل مفاعيل التسوية الرئاسية، بالرغم من الدور الذي لعبه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون خلال الأزمة التي تعرض لها في السعودية، عندما أجبر على تقديم إستقالته وكان التوجه نحو طلب "المبايعة" لشقيقه بهاء الحريري، لكنها في الوقت عينه تشدد على أن رئيس الحكومة المكلف لا يمكنه الخروج من الحاضنة الإقليمية التي يحتاج لها، لا سيما أن المنطقة مقبلة على جملة من التحولات التي لا يُعرف كيف من الممكن أن تنتهي.
على الرغم من ذلك، ترى تلك المصادر أن الحريري يعتبر من المستفيدين الأساسيين من التسوية الرئاسية، وبالتالي لا مصلحة له بالتخلي عنها اليوم، لا سيما مع تعاظم دور القوى والشخصيات السنيّة المعارضة له، إلا أنها تلفت إلى أن رئيس الحكومة المكلف، على ما يبدو، يريد تعديل شروطها، بما يتلاءم بين ما يتطلبه الحفاظ عليها من جهة، وما تتطلبه مصالحه على مستوى العلاقة مع السعودية من جهة ثانية، خصوصاً أن الرياض غير راضية عن المسار الذي سلكته الأحداث منذ إنتخاب عون رئيساً.