سافر رئيس المجلس النيابي نبيه بري أمس في إجازته السنوية بعد تأجيلها لأسبوع إفساحا بالمجال أمام ولادة حكومية لم تحصل. يبدو أن صراع التشكيل سيستمر الى لما بعد عودته مع العلم أن قنوات الاتصال معه مفتوحة بالكامل، ولا يملك رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري أي حجة تؤخره عن أداء مهمته التي كُلّف بها من قبل الكتل النيابية.
شقان أساسيان يؤخران الاعلان عن الحكومة "الموعودة"، الأوّل سياسي اقليمي على علاقة بالسعودية وخياراتها في لبنان والمنطقة، والثاني داخلي يتعلق بالحصص وكيفية تقاسم الحقائب بين المسيحيين، الدروز، والسنّة، على اعتبار أن الشيعة قد حسموا أمرهم منذ الساعات الأولى التي تلت تسمية رئيس حكومة تصريف الاعمال سعد الحريري لتشكيل حكومة العهد الاولى. فما هو الجديد بالنسبة للعقد الداخلية؟.
العقدة المسيحية لا تزال مستمرة ولم تجد طريقها نحو الحل بعد، لا بل يمكن القول بحسب مصادر مطلعة انها تزداد تعقيدا مع اقتراح قوّاتي يتعلق بحصة رئيس الجمهورية ميشال عون. وتقول المصادر: "ترى القوات اللبنانية ان التسليم بِحصَّة حكومية لرئيس الجمهورية لا يعني القبول بأن يكون هؤلاء مقربين من التيار الوطني الحر فقط. فالقوات ترى أن لا مانع من أن يكون لها حصة من وزراء عون، أو أن يسمي الرئيس وزيرا مقربا منه ومن القوات بنفس الوقت، اذ لا منطق بأن يكون لرئيس الجمهورية حصة وزاريّة تكون محسوبة بنفس الوقت على التيار الوطني الحر الامر الذي يجعل الفارق العددي بين الحزبين كبيرا".
كذلك تشير المصادر الى أن القوات اللبنانية تعمد للحديث مؤخرا عن اتفاق معراب وما يضمه على المناصفة بينها وبين التيار بأي حكومة جديدة، كما تقاسمهما للوزارات السياديّة، في محاولة لاحراج الوطني الحر الذي تقول مصادر القوّات أنه يجد في كل مرة مبررا لعدم تنفيذ الاتفاق معها. وهي الّتي لا تجد حرجا في رفع سقف مطالبها للحد الأقصى، لأنّها مدعومة من السعودية التي أبلغت الحريري رفضها لأي حكومة لا يكون للفريق المسيحي الموالي لها حصة وازنة فيها.
يدرك القواتيون أن من يقف بوجه تسليمهم وزارة سيادية من حصة المسيحيين ليس التيار الوطني وحده بل حزب الله، الذي يرفض أن تتسلم القوات حقيبة بحجم وزارة الدفاع أو الخارجية، وهذا الأمر بحسب المصادر يريح الوطني الحر ويبرر له تمسكه بالحقائب السيادية. وهنا تشير المصادر الى ان القوات طرحت أن تكون وزارتي الدفاع والخارجية من حصة رئيس الجمهورية الذي يرشّح لهما شخصيات مقربة من الوطني الحر والقوات اللبنانية، الامر الذي رفضه رئيس التيار جبران باسيل رفضا قاطعا خصوصا بظل نيته التمسك بوزارة الخارجية.
لم يلقَ طرح حل العقدة الدرزية عبر توزير القيادي في الحزب الديمقراطي ورئيس اللقاء الاورثوذكسي مروان أبو فاضل قبولا بعد من قبل رئيس التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، وبالتالي لا تزال العقدة الدرزية قائمة، الأمر الذي ينطبق أيضا على العقدة السنية المتمثلة بتوزير سني من خارج تيار المستقبل وإصرار الرئيس عون على ذلك من حصة الحريري مقابل إصرار الأخير على الحصول على وزير مسيحي مقابل قبوله بتوزير سني.
الى جانب هذه العقد الأساسية تواجه الحكومة مشكلة أقل تعقيدا تتعلّق بتمثيل الأحزاب الصغيرة التي كانت تأخذ عادة من حصص الأحزاب الكبيرة. وهنا تقول المصادر: " اثبتت الانتخابات الاخيرة ان الاحزاب بحاجة للوزارات ومثالا على ذلك فإن كان حزب الله يعطي حقائب من حصته لاحزاب صغيرة، لم يعد قادرا اليوم على فعل ذلك لانه أدرك حاجة جمهوره للخدمات، ولذلك نجد الأحزاب الكبيرة تتنافس بقوة على الوزارات الخدماتية لانها الوحيدة القادرة على ضبط شارعها في أي استحقاق مقبل. من هنا ترى المصادر صعوبة تمثيل الأحزاب الصغيرة في الحكومة المقبلة، مشيرة الى أن الامر لن يخلق عقبة لان جميع المؤثرين بالتشكيل متفقون على ذلك.
لا يمكن بحسب المصادر فصل المعطيات الدولية والاقليمية عما يجري في لبنان، معتبرة أن الفترة اليوم ملائمة لتشكيل حكومة، لان اي تطور قد يحصل ان كان سلبيا مع بداية التحضير لمعركة درعا او ايجابيا لناحية الوصول لاتفاق هدنة، فسينعكس الامر على الملف الحكومي ولن يبقى الوضع على ما هو عليه، لذلك قد يكون الوقت الحالي هو الانسب لتشكيل حكومة ترضي الجميع.