لم تتضمن زيارة رئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري برئيس الحمهوريّة العماد ميشال عون الأخيرة رؤية جديدة للتشكيلة الوزارية التي يرغب اعتمادها، بل كانت خطوة باتجاه وقف التدهور في العلاقات بين الرئاستين الاولى والثالثة، وسببها نظرة كل منهما المتباعدة حول صلاحيات كل منهما في عملية التشكيل، والاستنتاجات التي أفرزتها الانتخابات النيابية الاخيرة حول حجم تمثيل الكتل النيابية في الوزارة التي يجري العمل على إعلانها .
ورأت مصادر سياسية ونيابية ان هكذا زيارة وان لم تؤدِّ الى صدور مراسيم التشكيلة، فهي ضرورية لنجاح الاتصالات والمشاورات، بغية التوصل الى قواسم وتفاهمات مشتركة تؤدي الى ان تبصر الحكومة العتيدة النور في اقرب فرصة ممكنة .
ورأت هذه المصادر ان الخلافات الداخليّة التي تؤخر التشكيلة اصبحت معروفة، والعمل جار على حلحلتها لكن العوامل الخارجية التي تؤخر قيام هذه الحكومة يبدو انها ما زالت موجودة، وهي التي تعيق التوافق لولادتها.
ولفتت المصادر ان رئيس الجمهورية عندما كان يتمتع بصلاحيات واسعة فيما مضى، كان يتحمل مسؤولية تأليف الحكومة فيجعلها مصغرة او متوسطة او موسعة، ويختار الوزير الذي يمثل هذا الحزب او هذا المذهب، ويراعي الظروف العربيّة والدوليّة التي لها تأثيرها على الاوضاع الداخلية في البلاد، فصار اليوم ينتظر أن يسمي كل حزب وكل مذهب من يمثّله وكذلك الحقيبة الوزاريّة، وينتظر مع رئيس الحكومة المكلف الاتفاق على تأليف بات في ضوء الظروف الموضوعية، يتجاوز حتى احكام الدستور.
وكان رئيس الجمهورية عندما يتعذّر عليه تشكيل حكومة وحدة وطنية، يلجأ الى حقّه الدستوري فيؤلف حكومة من خارج مجلس النواب، او من اقطاب يمثل كل قطب فيها ليس طائفته فقط بل كل المذاهب المسيحية اذا كان مارونيا، وكل المذاهب الاسلامية اذا كان سنياً، وقد بات الامر متعذّرا اليوم، وهذا يجعل عمليات تشكيل الحكومات معقدا وصعبا في بعض الأحيان .
وتعتقد المصادر ان الرئيس الراحل فؤاد شهاب وضع إصبعه على الجرح في النداء الذي اعلن فيه عزوفه عن الترشح لانتخابات رئاسة الجمهورية، والذي قال فيه: "ان المؤسسات والاصول التقليدية المتبعة لم تعد تشكل اداة صالحة للنهوض بلبنان، ذلك ان مؤسساتنا تجاوزتها الأنظمة الحديثة في كثير من النواحي سعيا وراء فعالية الحكم، ونظامنا الاقتصادي الذي سهل سوء تطبيقه قيام الاحتكارات التي ينبغي الغاؤها ليتوفر العيش الكريم والحياة الفضلى للمواطنين".
وتخوفت المصادر بأن يكون اصرار البعض وبايحاء من الخارج ان يكون لقوى ١٤ آذار نصف عدد المقاعد الوزارية وتمتّعها بالثلث المعطل، مُقدّمة لإجهاض تفاهم بين بعبدا وحزب الله داخل مجلس الوزراء حول خطة ورؤية اقتصادية واضحة، تعهّد الامين العام لحزب الله بالسير فيها دون مجاملة احد، لمحاربة الفساد واقرار قوانين جديدة في هذا الاتجاه، كما ينصّ تفاهم حارة حريك الذي جنّب لبنان مخاطر أمنية وإقتصادية واجتماعية وسياسية.
وخلصت المصادر الى القول بأن السياسة الاقتصادية والمالية المتبعة منذ الطائف وما قبله، أدّت الى ما أدّت اليه من ديون وعدم التوصل الى حلول لمشكلات مزمنة كالكهرباء وغيرها، وان التعويل على خطة جديدة ومشاركة قوى اثبتت جدارتها في مجالات اخرى، امر مستحسن لا بل مطلوب ايضا.