في الأيام والأشهر الأولى من الحرب على سورية كان الإعلام الذي يستهدفنا جمعياً، ويذكي أوار هذه الحرب يركز على الإصلاحات الداخلية الضرورية جداً، والتي سينجم عنها قدرٌ أكبر من الحرية وحقوق الإنسان، وكانت المادة الثامنة من الدستور حسب رأيهم تشكّل عقبة أساسية في درب ذلك الطريق الوردي الذي يُراد للسوريين أن يسلكوه، كما كان قانون الطوارئ أحد هذه العقبات أيضاً. ولكن وبعودة سريعة إلى مسرح الأحداث في ذلك الوقت فقد كان إنجاز كل بند من هذه البنود يترافق، ويتزامن مع اشتداد الحملة الإعلامية ضد سورية، وتصعيد الموجات الإرهابية على الأرض والإمعان في تقطيع أوصال البلاد وتدمير بنيتها التحتية، والأكثر من ذلك هو أن الأحزاب الوليدة نتيجة تعديل الدستور وإلغاء المادة الثامنة وتحقيق التعددية السياسية لم تصبح أبداً على القوائم الحميدة لمن أسموا أنفسهم أصدقاء سورية مع أنهم هم بالذات الذي سعوا في
خرابها. واستمرّ هذا الأنموذج الكلاسيكي من التصّرف ذي الغايات والأبعاد المشبوهة. إذ بعد أن وافقت سورية على التخلّص من السلاح الكيميائي، وبعد أن أقرّت منظمة حظر الأسلحة الكيميائية أن سورية خالية من هذا السلاح وبعد أن دمّروا هم وعلى متن سفنهم هذا السلاح الذي كانت تمتلكه سورية ما زال الضجيج حول استخدام السلاح الكيميائي في سورية يصمّ الآذان على المستوى الدولي ويسير بخطوات تغيّر للمرة الأولى صلاحيات مجلس الأمن التي أوكلت إليه منذ نشأته. وإذا ما أجرينا مقارنة بسيطة بين الأمس واليوم فإننا نرى أنه وبعد أن بدأت سورية بتحرير مدنها وقراها من آثام الإرهاب بدءاً بالتحرير المفصلي لمدينة حلب وإلى تحرير الغوطة، وريف دمشق كاملاً، وريف حمص، واليوم ريف درعا، والجنوب فإن الحملة السياسية الدولية على سورية أصبحت حامية الوطيس وبكافة الإتجاهات وفي اختصاصات تشكّل بالنتيجة أكبر أذى للحرية، وحقوق المواطنيين السوريين حيثما تواجدو. ولذلك فإن السؤال الوجيه الذي يطرح نفسه اليوم، والذي قد لا يكتمل الجواب عليه إلا في السنوات القادمة، هو ما
الهدف الحقيقي من كلّ هذه الحرب المدمرّة على سورية، وما هو الهدف الخفيّ النهائي الذي انطلقت منه مخططاتهم في هذه الحرب المدمرّة والتي كلفت المليارات وكلفت الشعب السوري أغلى التضحيات كي يمنعوا هذا الهدف من التحقق. اليوم وبعد أن تحررّت معظم أراضي سورية من الإرهاب، ما عدا تلك التي يجثم عليها الأتراك والأمريكيون وحلفاؤهم، رعاة هذا الإرهاب، نلحظ ونلمس حملات دولية غير مسبوقة ضد سورية والسوريين فها هي الدول التي شكلت رأس حربة في استهداف سورية منذ اليوم الأول تمارس الضغوط الهائلة لمنح منظمة حظر الأسلحة الكيميائية صلاحيات كانت حتى اليوم من اختصاص مجلس الأمن وذلك لأن الاتحاد الروسي وقف في مجلس الأمن ضد كلّ محاولات الإستهداف الكاذبة، والظالمة على هذا الصعيد فتوجهت جهودهم كي ينتزعوا هذه الصلاحيات من مجلس الأمن ويمنحوها إلى منظمة حظر الأسلحة الكيميائية بهدف فبركة الإدعاءات حول استخدام الأسلحة الكيميائية في سورية، ومحاولة معاقبة سورية على ذنب لم تقترفه. أي أنهم لجأوا في خطوة غير مسبوقة إلى
تغيير الأسس التي أنشئت عليها هذه المنظمة من أجل تمكينهم من استهداف سورية. وفي الوقت الذي يتم تحرير سورية من الإرهاب وعودة الحياة إلى طبيعتها يصدر الرئيس الأميركي ترامب قراراً تنفيذياً ضد كلّ السوريين، وخاصة الطلاب منهم، إذ يمنع عليهم الدراسة في جامعات الولايات المتحدة، ويمنع على السوريين زيارة الولايات المتحدة. والسؤال الوجيه هو لماذا تتم ممارسة هذه الضغوط على سورية اليوم، وما علاقة هذه الضغوط بكلّ ما لحق بسورية من آلام وخراب ودمار خلال سبع سنوات ونيّف؟ السؤال مهم لأن الصفقة التي تمّ اختراع الربيع العربي من أجلها مازالت قيد الإنضاج وإلى أن تنضج ويتمّ الإعلان عنها يُراد للجميع أن يوافقوا عليها ويلتزموا بمقتضياتها، وصفقة القرن تهدف طبعاً وقبل الإعلان الكامل عن بنودها إلى تصفية الحق الفلسطينيى في فلسطين وتصفية الحق العربي في الأراضي العربية المحتلّة وإعلان الكيان الصهيوني وتوابعه من دول الخليج سيداً في منطقة عربية عملوا على تدمير هويتها العمرانية، والثقافية، والفكرية، والمجتمعية كي لا يكون هناك من يهددّ هذا
الكيان الغاصب والذي يخطّط ويحلم بنشر أذرعه على كافة الأقطار العربية. ومن هنا تأتي كلّ هذه الإجراءات اللامنطقية في جوهرها وتوقيتها من أجل ممارسة الضغوط على حكومة الجمهورية العربية السورية لإخراج إيران وحزب الله من سورية لأن وجودهما يشدّ من أزر محور المقاومة ويعتبر تهديداً لمخططات ومشاريع الصهيانية في فلسطين وخارج فلسطين. بعد كل تضحيات وانتصارات سورية الميدانية ما زالت المعارك السياسية على أشدّها في محاولة مستمرة لوضع حدّ لقوة سورية، ودعمها للقضية الفلسطينية وربما إذا تمكنوا، ولن يتمكنوا، في محاولة لوضع دستور يحرم سورية من عوامل قوتها الذاتية ومن كونها الضمانة الأساسية للعرب والعروبة في أي مستقبل مأمول. إذاً السيناريو هو ذاته، القديم الحديث، بأدوات متجددة عسكرية، وسياسية لإجهاض قوة الدول العروبية التقدمّية وضمان أمن وتفوق الكيان الصهيوني. صدق الرئيس المؤسس حافظ الأسد حين قال: "لاتوجد سياسة أمريكية في الشرق الأوسط، بل سياسة إسرائيلية تنفذها الولايات المتحدة الأمريكية". ومن هنا فإن كلّ تضحيات
السوريين خلال سبع سنوات ونيّف كانت للحيلولة دون تنفيذ المخططات الإسرائيلية في سورية.