منذ تكليف رئيس حكومة تصريف الأعمال الرئيس سعد الحريري تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة على إثر إجراء الانتخابات النيابية وما أسفرت عنه من مجلس نيابي جديد تبدلت فيه لوحة موازين القوى والتوازنات داخله عما كانت عليه في المجلس السابق. ولا تزال عملية تشكيل الحكومة تواجه المصاعب والعديد من العقد، والتي يمكن القول بأن بعضها غير منطقي ويتعارض مع نتائج الانتخابات، وبعضها موضوعي. وهذه العقد تتمثل بثلاث هي:
العقدة الأولى: مطالبة كتلة القوات اللبنانية بحصة وزارية تفوق حجمها النيابي، فهي تطالب بأربع وزارات بينها نائب رئيس الحكومة، في حال كانت الحكومة ستشكل من ثلاثين وزيرا، غير أن الواقع لا يسمح لها أن تحصل على أكثر من ثلاثة وزارات لأن عدد أعضاء كتلتها النيابية 15 نائبا، ولهذا فهي تواجه اعتراضا قويا من كتلتين أساسيتين، كتلة التيار الوطني الحر وعددها 29 نائبا ويحق لها 6 وزارات، وكتلتي حركة أمل وحزب الله 30 نائبا يحق لهما 6 وزارات، وبالتالي إذا كانت القوات تريد أربع وزارات فإن كلا من الكتلتين المذكورتين ستطالبان بحصة وزارية أكبر أي بزيادة وزير لكل منهما. وهو ما ألمح إليه أمين حزب الله السيد حسن نصرالله في كلمته الأخيرة التي تطرق فيها إلى مطالب البعض بحصة تتجاوز حجمهم، وأنه في مثل هذه الحال سيطالب بزيادة حصة حزب الله وأمل. وكذلك الحال بالنسبة للتيار الوطني الذي يرفض إعطاء القوات حصة أكبر من حجمها النيابي.
العقدة الثانية: رفض تيار المستقبل برئاسة الرئيس سعد الحريري التخلي عن احتكاره لتمثيل الطائفة السنية في الحكومة، كما كان عليه الحال في أعقاب انتخابات 2005 وانتخابات 2009، مع أنه في انتخابات 2018 لم يحصل تيار المستقبل على غالبية المقاعد السنية، فحسب النتائج هناك عشرة نواب سنة فازوا من خارج تيار المستقبل، ما يعني أن هؤلاء العشرة يحق لهم أن يمثلوا بوزيرين والمستقبل بأربعة وزراء.
العقدة الثالثة: وهي إصرار الحزب التقدمي الاشتراكي على تسمية وزراء الطائفة الدرزية الثلاثة ورفض القبول بتوزير النائب طلال ارسلان لكون كتلته ليس فيها نواب دروز غيره، وكتلة التقدمي تضم معظم النواب الدروز.
الاتصالات التي جرت حتى الآن لم تؤد إلى حلحلة في هذه العقد لاسيما العقدتين الأولى والثانية، ويبدو أن التوصل إلى اتفاق لتجاوز هذه العقد وحلها، حسب كل المعطيات، سيحتاج إلى وقت ليس بقصير، يؤشر إلى ذلك سفر رئيس الحكومة سعد الحريري إلى باريس لقضاء إجازة عائلية، فيما رئيس مجلس النواب نبيه قد سافر إلى الخارج قبل الحريري، وهذا يعني أن الاتصالات جمدت إلى حين عودة الرئيسين بري والحريري.
هذه المعطيات دفعت الأوساط الإعلامية والسياسية إلى التساؤل عما إذا كان سيجري تذليل هذه العقد في فترة قريبة وتشكل الحكومة في غضون شهر من الآن، أم أن الأمر سيطول أكثر من ذلك؟.
في هذا السياق هناك اتجاهان:
اتجاه يرى أن العقد سيجري حلها وقد بوشر بمعالجة بعضها، وهناك أجواء مشجعة منها إمكانية أن يجري تسمية رئيس الجمهورية لوزير سني من ضمن حصته، وان القوات اللبنانية قد وافقت على التخلي عن المطالبة بنائب رئيس مجلس الوزراء الذي يتمسك بتسميته رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، وبقي موضوع استمرار تمسكها بأن يكون لها أربعة وزراء. أما عقدة العقد الدرزية فهناك حديث عن التسليم للحزب التقدمي بتسمية الوزراء الثلاثة.
بالمقابل هناك اتجاه يرى أن تذليل العقد ليس بالأمر السهل وقد يطول أكثر بكثير مما يعتقد البعض وذلك لسببين أساسيين:
السبب الأول: إن تيار المستقبل يحاول عدم التسليم بنتائج الانتخابات والبناء عليها في تشكيل الحكومة، وهو يتصرف أو يريد أن يستمر في سياسة الاحتكار والاستئثار بالتمثيل السني ورفض تمثيل النواب المعارضين له في الحكومة، وهذا يعني الضرب بعرض الحائط بنتائج الانتخابات من ناحية، ومخالفة ما نص عليه دستور الطائفة لناحية القواعد التي اعتمدت في تشكيل الحكومات من ناحية ثانية. ومثل هذا التوجه المخالف لقواعد تأليف حكومات ما بعد الطائف يشكل عقدة لا يمكن حلها إلا على أساس تسليم الرئيس الحريري بحقيقة أن تياره خسر الكثير من المقاعد في البرلمان الجديد وأنه لم يعد يستطيع أن يحصل على ذات الحصة الحكومية التي كان يتمتع بها في الحكومة السابقة، وإلا ما هي قيمة إجراء الانتخابات وما نتج عنها إذا لم تنعكس في إعادة تشكيل السلطة.
السبب الثاني: هناك قناعة بأن فريق المستقبل وحلفائه في قوى 14 آذار لا يريدون تسهيل تشكيل الحكومة على أساس نتائج الانتخابات التي لم تأت لمصلحتهم، لان ذلك سيؤدي إلى إحداث تغيير في التوازن السياسي داخل الحكومة وبالتالي في آلية اتخاذ القرارات المرتبطة بالسياسات الداخلية،الاقتصادية والمالية، والسياسات الخارجية المرتبطة بالموقف من القضايا والصراعات في المنطقة، ولاسيما الموقف من العلاقة مع الحكومة السورية ومعالجة ملف النازحين السوريين حيث يسود توجه لدى التيار الوطني الحر وفريق 8 آذار بضرورة إعادة النظر بالسياسات الاقتصادية المالية التي تسببت بتفاقم أزمة الدين العام والعجز في الموازنة وتفشي الفساد على نطاق واسع، وكذلك العمل على التواصل الحكومة السورية لتأمين عودة النازحين السوريين.
ويبدو أن فريق 14 آذار لا يريد تسهيل تشكيل الحكومة لمنع حصول هذا التحول في سياسات لبنان الداخلية والخارجية، وهو يفتعل العقد أمام تأليف الحكومة للتغطية على السبب الفعلي السياسي المرتبط بعلاقاته بدول خارجية ليس لها مصلحة في هذا التوقيت بحصول تبدل في سياسات لبنان الخارجية إزاء ملفات المنطقة لأن ذلك سيؤثر سلبا عليها بإضعاف موقفها.