لا يهوى أي من الفرقاء في لبنان العمل بالسياسة من صفوف المعارضة. فبالرغم من هامش التحرك الكبير الذي يتيحه التواجد في هذه الصفوف في بلد كلبنان حيث كل شيء قابل للانتقاد... الا أن جنة السلطة تبقى بالنسبة للجميع الهدف الأوحد باعتبار أن النظام السياسي الطائفي المذهبي القائم يجعل من البلد ومقوماته أشبه بقالب جبنة يتهافتون على تقسيمه في ما بينهم. في السلطة جبنة أما في المعارضة فلا شيء الا مراقبة ومحاسبة من يأكل الجبنة، فلا عجب ألاّ يغري التواجد في صفوفها أحد، خاصة واذا كانت الحكومة المنوي تشكيلها ستعمّر 4 سنوات أي حتى موعد الانتخابات النيابية المقبلة، وبالتالي من سيزهد عن حصة من هذا القالب سيزهد طويلا والأرجح أن ذلك لن يخدمه في حملته الانتخابية المقبلة.
ولعل تجربة حزب "الكتائب" والمجتمع المدني لا تزال ماثلة أمامنا. فهما اللذان شكلا طوال المرحلة الماضية النبض المعارض، لم ينجحا بتحصيل أكثر من 4 مقاعد نيابية من أصل 128 بعد اكتساح القوى التقليديّة البرلمان ككل. والأرجح أن ذلك ما يُفسر توجه "الكتائب" للاكتفاء بوزارة دولة في حكومة ثلاثينية.
وترفض "القوات اللبنانية" كما الحزب "التقدمي الاشتراكي" مجرد التفكير بسيناريو اللجوء الى صفوف المعارضة، في حال لم تتم الاستجابة قريبا لمطالبهما بعمليّة تشكيل الحكومة المتوقفة حاليا. فالأول يعتبر أنه وبفوزه بـ15 مقعدا نيابيا أصبح تلقائيا أحد المكونات الاساسية للسلطة المقبلة، تماما كما الثاني الذي يرى انّه اكتسح للأغلبية الساحقة من المقاعد الدرزية، ويحقّ له بـ3 ممثلين على الطاولة الحكومية الأمر الّذي لا رجوع عنه، والا رفع بطاقة عدم ميثاقية الحكومة لتغييبها أحد المكونات الطائفية؟!.
حتى المعارضة السنيّة المتمثلة بـ10 نواب للمرة الأولى منذ عشرات السنوات، لا تغريها المعارضة وتطالب بمقعدين وزاريين، كذلك تيار "المردة" والحزب "الديمقراطي اللبناني" و"القومي السوري" وغيرهم من الأحزاب، في حال انطلقنا من ثابتة ان "التيار الوطني الحر" يعتبر نفسه اليوم أنه أب السلطة وأمّها في عهد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، تماما كتيار "المستقبل" الذي لا يزال مؤمنًا بأن شراكته مع "التيار" قادرة على تأمين الحماية المطلوبة له بعدما فقد مؤخرا لقلب الممثل الأوحد للطائفة السنيّة في لبنان.
أما على الجبهة الشيعية، وبالرغم من كل ما يتردد عن نقمة حزب الله مما آلت اليه الأحوال سواء اقتصاديا أو اجتماعيا ومؤخرا سياسيا في عملية تناتش الحقائب الوزارية، الا أنه لا يضع العمل المعارض نصب عينه، منطلقا من فكرة أن الثنائية التي يشكلها مع "أمل" باتت أشبه بـ"توأم سيامي" لا ينفصل، فكيف يلجأ الى المعارضة و"أمل" لا تعرف كيف تتنفس خارج السلطة!.
وحده المجتمع المدني الممثل حاليا في المجلس النيابي الجديد بنائب واحد هو بولا يعقوبيان حجز مقعدا له في صفوف المعارضة، والأرجح أن اللجوء الى هذه الصفوف ينسجم مع المثل القائل "مجبر أخاك لا بطل"، وان كان الهدف المعلن والصريح له هو الاطاحة بهذه الطبقة ككل للحلول مكانها وتقديم تجربة سياسيّة جديدة رائدة سيكون على اللبنانيين أن يحكموا عليها. لكن ما يطمح اليه هذا المجتمع شيء والواقع شيء آخر تماما، بحيث أن السبيل الوحيد للاطاحة بهذه الطبقة هو الاطاحة بالنظام السياسي القائم، وهل من يتجرأ على ذلك وهو يعلم أن رأسه سيكون أول رأس يطيح به أي نظام غير طائفي؟.