منذ اليوم الأول لإطلاق شرارة الحرب العالمية الإرهابية على سورية لعبت المعلومة المفبركة دوراً أساسياً في تثبيط الهمم وإقناع البعض أن نتيجة هذه الحرب محسومة لمن أشعلها من المعتدين ومرتزقتهم ويستمرّ في تغذيتها بالمال، والسلاح، والفكر الظلامي الهدّام. فمنذ الأيام الأولى سحبت الشاشات الخليجية، والتي كانت في ذلك الزمن المصدر الأساس للمشاهد، سحبت مراسليها واستبدلتهم بشهود عيان لا اسم لهم، ولا مكان، ولا تاريخ، ولا هوية ليبثوا أكاذيبهم وافتراءاتهم. وقد كان بعضهم يعمل من خارج البلاد ولا زال، وبقي مرجعاً أساسياً وأحياناً وحيداً للعالم عن مجريات الميدان وما يجري في كل منطقة من مناطق سورية. ولعب هذا الإعلام المعادي الكاذب دوراً أساسياً في إقناع ضعاف النفوس والإنتماء بالانشقاق عن تاريخهم ووطنهم وهويتهم واعداً إياهم أنهم عائدون غداً ليستلموا مواقع حساسة في البلد وليكونوا عملاء معتمدين في خدمة من دفع لهم المال وأقنعهم بالانشقاق.
ولدى مراجعة سريعة لما ورد على الشاشات وفي الصحف الأجنبية في حينه نجد أن معظمه قد استقى مصادره من هذه الشاشات الكاذبة ومن "شهود عيان" لم يكونوا في الحقيقة سوى شهود زور وعملاء للأجنبي يفبركون أنباء الميدان حسبما يتوافق مع مصلحة أسيادهم. ولم يكن الإعلام الوطني، والحليف، والصديق، في البداية قادراً على مواجهة هذه الهجمة الكبرى المدعومة من معظم وسائل الإعلام الناطقة بالعربية، ووسائل الإعلام الغربية أيضاً والتي تشكل المصدر الأساس للمعلومة في العالم فكانت المواجهة الإعلامية غير متكافئة. واستمرّ هذا الصراع بين شعب يقاتل ضد قوى الطغيان والعدوان ويحاول أن يوصل صوته إلى العالم وبين حصار إعلامي محكم تمكن بعد وقت الإعلام الصديق، والوطني، والحليف من كسره والبدء بكسب مصداقية وتناغم مع الأحداث على الأرض. وعلّ المفصل الأساس في هذه الحرب الإعلامية الطاحنة كانت معركة تحرير شعبنا في حلب حيث استخدمت قوى العدوان كلّ أدواتها الإعلامية والسياسية لضمان عدم تحرير حلب لأنهم كانوا يوقنون أن تحرير حلب سيشكل بداية الانتصار للدولة السورية على قوى الإرهاب العالمي وكل من يستهدف
سورية من العملاء والخونة. وكانت المعركة الإعلامية بأهمية المعركة العسكرية والسياسية وانتصر بها الإعلام الوطني، والصديق، والحليف على مصادر الكذب وأدوات التلفيق والافتراء والخيانة، ولكن وقبل وخلال كلّ معركة من حلب إلى دير الزور إلى الغوطة إلى ريف حمص ومن ثمّ إلى الجنوب وما بعده نسمع للأسف أصواتاً ما زالت تؤمن بالحرب الدعائية الشنيعة التي يخطط ويروج لها الأعداء والخونة بحيث تصبح هذه الأصوات، من حيث تدري أو لا تدري جزءاً من هذه الحرب ضد مصالح بلدها وشعبها. فكم سمعنا قبل تحرير دير الزور بإشاعات حتى داخلية تحاول إثبات استحالة تحرير هذه المدينة، وبعد تحريرها وبدء حرب القذائف من الخونة في الغوطة على أحياء دمشق التي ذهب ضحيتها الشهداء والجرحى كثرت الأسئلة حول أسباب عدم تأمين محيط دمشق وحول إعطاء دير الزور أولوية على محيط دمشق وبعد تأمين محيط دمشق عملت الدعاية الصهيونية على شن حرب إعلامية شرسة حول الجنوب السوري، والترويج لمتطلبات الكيان الصهيوني التي طلبها من حليفنا الروسي بشأن جنوب سورية. وها هو الجنوب السوري يقف صامداً وحراً بعد أن تمكن الجيش العربي
السوري من دحر أدوات الصهاينة من على ترابه وها هو العدو الصهيوني يعترف أن النصر كان هاماً وسريعاً، وأن هذا النصر كان مفاجأة للعدو وطبعاً كان تكذيباً لكلّ لتخرصات والتقولات التي نشرها العدو وعملاؤه عن قراراته بشأن هذا الجنوب. وفي عودة سريعة لتاريخ صراعنا مع العدو الصهيوني ومنذ تأسيس هذا الكيان نجد أنه اعتمد على الدعاية الكبيرة عن قوته وأسطورة الجيش الذي لا يقهر فيتصيد من خلالها ضعاف النفوس من العرب غير المؤمنين بجيوشهم، وغير الواثقين بأنفسهم فيربح المعركة قبل أن تبدأ، ويقنع بعض الأعراب من خلال دعايته أنه المنقذ الوحيد وأنه لا يمكن لأحد أن يقف في وجهه. ما أثبته الجيش العربي السوري في الجنوب هو ذاته ما أثبتته المقاومة في لبنان عام 2006 وهو أنه لا وجود للجيش الذي لا يقهر، ولكنّ الخلل كامن في النفوس الضعيفة غير الواثقة بتاريخها، ونفسها، ومقدراتها، وأنه حين تفرض معادلة الشهادة أو النصر ذاتها فإن النصر محققُ لا محالة.
هل يمكن أن يراجع بعض العرب مواقفهم ويطهروا أنفسهم من آثام الدعاية الصهيونية ويعلموا أن مستقبلهم جميعاً يعتمد على وحدة كلمتهم وعلى صدق التنسيق بينهم، وعلى
جمع مقدراتهم كي يتمكنوا من إعلاء كلمتهم في المنطقة والعالم؟، إذ لا يمكن لبلد عربي واحد مهما بلغت قدراته أن يشكّل قوة ضاربة تعيد صياغة مكانة العرب في المنطقة ولكن يمكن للتنسيق العلمي، والمدروس، وتوحيد الرؤى، ووضع الإستراتيجيات المشتركة على أسس علمية وواقعية أن ينعكس خيراً كثيراً على العرب مجتمعين، وأن يضاعف من عناصر قوتهم ومن عناصر قوة كل بلد على حده، وأن يوجّه ضربة قاصمة لأعدائهم. والمسألة تبدو منطقية جداً وبسيطة جداً لأنها الدرس المستفاد الأكيد من الماضي القريب والبعيد ولأنه أقلّ ما يمكن أن نتوقعه من الوعي بالماضي والحاضر والحرص على المستقبل، ولأنها مضمونة النتائج للعرب مجتمعين. أما الإستمرار في الإرتهان لأكاذيب وأساطير الأعداء فهو الذي أنتج "كامب ديفيد وأوسلو ووادي عربة"، وسقوط البعض في شرك الخيانة وتدمير الأوطان بناء على خطة أعدّها الأعداء بإحكام وروجها الإعلام المعادي بأنه الربيع العربي. والواقع ماثل أمامنا حول نتائج كل الاتفاقات مع العدو والتي أصبحت مع الزمن ارتهانات لمخططاته، وأطماعه في تاريخنا ومنطقتنا وثرواتنا. هل نجد على سطح الأرض من يستسلم لافتراءات الأعداء ويعمل
وفقها أم يجب أن ينشغل ليلاً نهاراً بوضع الخطط التي تقوّض كلّ ما يفتريه الأعداء. كم أعجب بالفعل من أناس يثقون بما يقول أعداؤهم!!.