يعلم اللبنانيون أن التلوث يسيطر على برّهم وبحرهم، فمع غياب البنى التحتيّة لا تجد مصبات "المياه الآسنة" سوى البحر ملاذا لها، الأمر الذي نشاهده بالعين المجردة على شاطىء الرملة البيضا مثلا. من هذا المنطلق لم يكن تقرير مصلحة الابحاث العلمية والزراعية عن تلوث الشاطىء اللبناني مفاجئا، إلاّ أن الصدمة كانت بمحاولة البعض استثمار الموضوع عبر تضخيمه لضرب السياحة في مناطق لبنانية تمكنت من المحافظة على شاطئها، في سبيل المنفعة الخاصة.
صنف التقرير المذكور شواطئ لبنان بين خطرة وأقل خطورة، وانتهى الى نتيجة مفادها أن السباحة في البحر تسبب الأمراض الجلديّة والالتهابات. وهنا لا بد من القول أن صلاحية إعداد مثل هذه التقارير تعود لمعهد أبحاث علوم البحار التابع للمجلس الوطني للبحوث العلمية، ولذلك بعد "البلبلة" التي رافقت التقرير أنهى معهد علوم البحار تقريره المفصّل حول الشاطىء اللبناني وسيقوم بحسب ما أعلن رئيسه الدكتور ميلاد فخري، في حديث لـ"النشرة"، بعرضه أمام الرأي العام بعد الاتفاق مع رئيس المجلس الوطني للبحوث والانماء معين حمزة على كيفية نشره وتوزيعه. وسيكشف التقرير بحسب فخري أن "وضع الشاطىء ليس بالسوء الذي صوّره التقرير المعروض مؤخرا، والتلوث لم يضرب كل الاماكن". مبرّرا شعور اللبنانيين بأن كل ما يُحكى عن التلوث، هدفه ضرب الشاطىء العام الذي ما زال يوفر مكانا "رخيصا" للسباحة، مثل شاطىء أنفة وشاطىء صور (على سبيل المثال)، وبالأخص الشاطىء الثاني الذي تمكّن العام الماضي من استقبال 2 مليون زائر خلال فصل الصيف.
يؤكد أحد شاغلي "الاستراحات" على شاطىء أنفة أن المياه في تلك المنطقة نظيفة وصالحة للسباحة، مشيرا في حديث لـ"النشرة" الى أن أعداد الوافدين وثقتهم ببحر هذه المنطقة أبسط دليل على ما نقوله. ويضيف: "حيتان المال الذين يملكون 90 بالمئة من الشاطىء اللبناني يتضررون عندما يتّجه اللبناني الى الشواطىء العامة أو شبه العامة، لذلك يعمدون الى تضخيم فكرة تلوث البحر وتعميمها على طول الشاطىء، لجذب روّاد البحر الى مسابحهم التي تكلّف الشخص الواحد قرابة 100 دولار خلال نهار كامل".
لا شك أن محميّة شاطىء صور شكّلت علامة سياحية فارقة في المواسم الاخيرة، وكان لـ"النشرة" تقرير العام الماضي تحدثت فيه عن الشاطىء وأعداد الزوار، وأوردت فيه آراء لبنانيين قصدوا صور من الشمال بسبب "سحر هذه المدينة ونظافة مياه بحرها الازرق وشاطئها الذي يشبه شواطىء دول اوروبا، اضافة الى فنادقها الصغيرة المحببة والمطاعم التي تقدم اطيب انواع المأكولات".
يشير نائب رئيس بلدية صور صلاح صبراوي الى أن البلدية استشعرت في "تضخيم الحديث عن تلوث الشواطىء العامة "لعبة" لأجل ضرب السياحة على هذه الشواطىء وتخويف اللبنانيين ودفعهم نحو المسابح الخاصة بحجة "النظافة". ويكشف صبراوي في حديث لـ"النشرة" أن صور لم تسجل العام الماضي ولا هذا العام أي حالة صحية جلديّة في مستشفياتها بسبب البحر. ويقول: "أنا مسؤول عن كلامي والبحر من محميّة صور الى الناقورة هو الانظف في لبنان". مع الاشارة الى أن "الطفلة" التي انتشر الحديث عن إصابتها بـ"بطفح جلدي" جراء مياه البحر بصور، تبيّن أنها مصابة بلسعة "قنديل" البحر.
يضيف صبراوي: "من جهة مرفأ الصيادين في صور حتى الناقورة لا يوجد أي "مجرور" يصب في البحر، ومن المرفأ باتجاه الشمال تصب بعض أقنية المجارير بانتظار بدء العمل بمحطة التكرير".
رغم ضخامة أعداد الوافدين لصور العام الماضي الا أن العام الحالي سيشهد أعدادا أكبر، وهذا ما يلاحظه القيمون على المحمية من خلال مواقف السيارات التي تكتظ بالزوار، الأمر الذي دفع البلدية الى اقتطاع جزء من الحديقة المجاورة للشاطىء وجعلها موقفا للسيارات. ويشير صبراوي إلى أن صور بشاطئها العام أصبحت وجهة سياحية أولى في لبنان، لذلك قد نسمع بعض "الجعدنات" التي تحاول التأثير على المواطنين، ولكن حتى اللحظة لا زالت أعداد زوار صور في ازدياد.
لا شك أن اغلب الشاطىء اللبناني يعاني من "داء التلوث"، مع العلم أن المنتجعات السياحية تعدّ من أبرز مسببي التلوّث كونها تتخلص من "مجاريرها" (المياه الآسنة) في البحر، الا أن تضخيم المسألة يدخل في إطار الصراع الاقتصادي المناطقي، والأكيد أن في لبنان شواطىء عامة لا زالت صالحة للسباحة، شواطىء مجانية، لا نحتاج خلال دخولنا اليها لدفع ثلث رواتبنا.