قبل اقل من عشرة اشهر، كانت سيغريد كاغ تشغل منصب المنسقة الخاصة للامم المتحدة في لبنان وممثلة امينها العام فيه، وخلال الفترة التي قضتها اثارت بعض الحساسيات بمواقفها، وخصوصاً من المواقف اللبنانية الداخلية المتعلقة بحزب الله والنازحين السوريين. قبل ذلك، كانت كاغ رئيسة البعثة المشتركة للامم المتحدة ومنظمة حظر الاسلحة الكيميائية في سوريا، وقامت بعمل، اثار ايضاً الكلام عن مدى حياديتها في مهمتها في سوريا.
اليوم، عادت كاغ الى لبنان كوزيرة هولندية، وبالتحديد، وزيرة التجارة والتعاون التنموي. وهذه المرة، غابت التصريحات المثيرة للجدل لهذه السيدة، فبدت اكثر ارتياحاً في كلامها واكثر حصراً في مهمة محددة الاهداف، فما الذي تغيّر قبل اقل من سنة وحتى اليوم، وهل يمكن التعويل فقط على الكلام العلني؟.
تبدو كاغ الوزيرة اكثر انشراحاً منها كمسؤولة اممية، فمهمتها الحالية تقضي باعتماد سياسة واحدة هي سياسة الحكومة الهولندية، وليس آراء اكثر من دولة تهتم الامم المتحدة بعدم اثارة غضبها او استفزازها لاسباب كثيرة، ناهيك عن ذلك، فإن منصبها متعلق بالتجارة والانماء، ما يعني انها تعمل على مدّ الجسور وليس هدمها مع الدول التي تزورها، ومنها لبنان بطبيعة الحال. ولكن، على الرغم من ذلك، لم تستطع كاغ الا التطرق الى مسألة اخذت حيزاً كبيراً من وقتها الذي قضته في لبنان، وهي موضوع النازحين السوريين. هذه النظرة هي الوحيدة التي تعتمد ايضاً على ارضاء دول غير هولندا، وبالتحديد القارة الاوروبية، لان هذا الموضوع بالغ الحساسية لاوروبا، وبالتالي فإن كلامها عنه لا يمكن ان يمر بشكل عابر، وهي التي تعلم تماماً ماذا تتحدث ومدى صعوبة الظروف التي يعيشها لبنان جراء هذه المسألة، وقد يكون هذا الموضوع الوحيد الذي يمكن ان يهدم الجسور بدل انشائها.
لذلك، فإنه في مقابل الايجابية الكبيرة التي برزت في كلام كاغ عن التعاون التجاري وفتح الاسواق الهولندية للمنتجات اللبنانية وفي مقدمها البطاطا التي بدأ تصديرها الى هناك، شددت على نقطة "رمادية" حين اعلنت تأييد بلادها الموقف الذي عبّرت عنه المفوضية العليا للاجئين، وهي تدرك ان هذا الموقف اثار جدلاً كبيراً في لبنان، لناحية طريقة التعامل مع النازحين، وصلت الى حدّ اتهام المفوضية الدولية بتحفيزهم على البقاء واخافتهم من امكان العودة الى سوريا.
وفي مقابل الانفتاح الهولندي الاقتصادي والتنموي على لبنان، بدا وكأن كاغ تعيد التشديد في حديثها، وبصورة غير مباشرة، على ان تعزيز الاقتصاد في لبنان واعادة عجلته الصناعية والمالية الى الدوران، مرتبطة بمدى استعداده لاطالة أمد استقبال النازحين، وعدم حثهم على العودة الى بلدهم، مخافة ان ينطلقوا منه الى الدول الاوروبية بدل التوجه مجدداً الى لبنان، او البقاء في سوريا في ظروف ستكون صعبة بادىء الامر، الى ان تنتهي فترة اعادة الاعمار.
هنا، بدا وكأن كاغ الاممية التقت مع كاغ الهولندية، والرابط الوحيد بينهما في هذا المجال، هو ابعاد شبح النازحين عن اوروبا، كل القارة الاوروبية، مع الاستعداد لابداء المساعدة للدول التي ستعمل على ابقائهم، وهو ما يظهر بوضوح في التعاطي الدولي مع كل من لبنان والاردن.
تعلم كاغ ماذا تريد وماذا تقول عن الموضوع السوري ان من ناحية الحل السياسي او من ناحية حل مسألة النازحين، وذلك بحكم عملها السابق في سوريا والفترة التي امضتها في لبنان وواكبت خلالها موضوع النازحين وتطوره السريع، ولكن موقفها لا يبدو انه يناسب الموقف اللبناني، وهناك بعض ما لم تقله الوزيرة الهولندية في هذا المجال، وهو امر مريب ويعيدنا الى سياسة "الترغيب والترهيب".
فهل هذا ما سمعه المسؤولون في لبنان، وماذا سيكون عليه الموقف في هذا السياق، وهل بتنا امام معادلة جديدة قوامها "اقتصاد حيوي قوامه النازحون"؟.