انطلاقاً من مبدأ "لا دخان دون نار"، تطفو على السطح مشكلة اساسية لا يستهان بها نظرا ًالى ما يمكن ان تؤدي الى انعكاسات خطيرة على الوضع السياسي في البلد. فقد بدأت ملامح الخلاف بالظهور بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري، وليس خافياً على احد ان ما يثار في الاعلام وبعض المواقف من هنا وهناك انما يصب في خانة تأكيد هذا الخلاف.
رسمياً، لم يتم صدور اي اشارة او تلميح حول هذا الخلاف، ولكن من خلال بعض التتبع البسيط لمسار الحياة السياسية في الفترة القليلة الماضية، ليس من الصعب البناء على اشارت تنبىء بتصاعد نسب التباعد بين الرجلين. بداية، لا بد من الاشارة الى مؤشرين ايجابيين يصبان في خانة تحجيم الخلاف بين عون والحريري، وهما الخلوة التي عقدت بين الحريري ووزير الخارجية في حكومة تصريف الاعمال جبران باسيل في مجلس النواب، واللقاءات التي يعقدها وزير الثقافة في حكومة تصريف الاعمال غطاس خوري والنائب الياس بو صعب. ولكن، في مقابل هاتين الايجابيتين، هناك مؤشرات سلبيّة كثيرة من شأنها ان تثير اكثر من علامة استفهام حول العلاقة الحاليّة بين عون والحريري وتيار المستقبل والتيار الوطني الحر من جهة ثانية.
ماذا يعني لقاء خوري وبو صعب في الفترة الاخيرة؟ ان اللقاء انما يعني التمهيد لتذليل عقبات موجودة بين تيار المستقبل والتيار الوطني الحر، وان هذا المسعى انما اتى بسبب صعوبة اللقاء بين الحريري وباسيل. واللافت ان مجرد حصول خلوة على هامش انتخابات اللجان النيابية في مجلس النواب، بات حدثاً مهماً فيما كانت لقاءاتهما لا تعد ولا تحصى وبشكل عفوي وليس على هامش حدث معيّن.
في آخر زيارة له الى بعبدا، قال الحريري ان من يسعى الى ايجاد خلاف بينه ورئيس الجمهورية لن ينجح وسيبقيان معاً، فيما اثار غياب رئيس الحكومة المكلف عن قصر بعبدا لاكثر من 20 يوماً متواصلاً، الكثير من الشكوك وهو لم يكن بحاجة حمل صيغة جديدة لتشكيل، لانه يمكن ان يناقش مع الرئيس عون الكثير من المواضيع الملحة وكيفية مواجهتها رغم ان الحكومة في فترة تصريف الاعمال، وهو امر لاحظناه خلال فترة التشكيل الطويلة (عشرة اشهر) التي سادت بعد تكليف النائب تمام سلام سابقاً.
اضافة الى هذا السبب، هناك من حاول التخفيف من وطأة التباعد القائم بين الحريري وباسيل وعبره بين الاول وعون، ورأى هذا البعض ان غياب نادر الحريري ترك الاثر البالغ على العلاقة، لان باسيل كان منسجماً تماماً مع نادر وتكفّلا بحل "الكبيرة والصغيرة" من المشاكل بسرعة، فيما لم يعتد رئيس التيار الوطني الحر بعد على التغييرات التي طالت تيار المستقبل بعد الانتخابات، ويحتاج الى بعض الوقت للتأقلم معها.
قد لا تقنع هذه الذريعة الكثيرين الذين يتوجسون من امكان حصول شرخ في العلاقة بين عون والحريري، خصوصاً وان تحالفهما اثبت فاعليته خلال فترات صعبة، وادى الى اقرار العديد من القوانين والمشاريع وازالة عراقيل كبيرة، ما يعني ان التباعد بينهما سينعكس سلباً على عمل الحكومة ككل وسيعمد كل طرف الى "عرقلة" مشاريع وطروحات الآخر، وبالتالي سيكون الانقسام سيد الموقف وستجد الاحزاب والتيارات نفسها منقسمة ايضاً وستنضم الى احدى الجبهتين.
يمكن لعون ان يقوم بالكثير اذا تعاون مع الحريري الذي لا يزال يحظى ايضاً بدعم اقليمي ودولي كبيرين، كما يمكن لرئيس الحكومة المكلّف ان يستفيد كثيراً من التعاون مع رئيس الجمهورية الذي يدرك كيفية استغلال كل صلاحية يكفلها له الدستور، كما يمكنهما ان يكونا همزة وصل بين الاطراف الاخرى المتنافسة سياسياً... وفي ظل الواقع الحالي لتطور هذه العلاقة، لا بد من توجيه سؤال عن هوية المستفيد من تدهورها، وعما اذا كانت استفادته على المدى القريب ام البعيد؟.