قبل أشهر، وتحديداً في كانون الأول الماضي، وصلت الدانماركية دايلر كاردل الى بيروت لتولّي مهماتها الجديدة كمنسّقة خاصة للأمم المتحدة في بيروت بالوكالة، بعدما عيّنها الأمين العام للمنظمة الدولية أنطونيو غوتيريس في هذا المنصب خلفاً لسيغريد كاغ.
لكنّ الوقت القصير الذي أمضته كاردل حتى الآن في لبنان، كان كفيلاً بأن يعطي مَن التقاها إنطباعاً بأنها لا تجيد أو لا تريد اعتماد سياسة «تدوير الزوايا» التي يُتقنها الديبلوماسيون في العادة، فكيف إذا كان الامر يتعلق بممثلة الأمم المتحدة التي يُفترض أن تتبع الحيادية في سلوكها، أقله من حيث الشكل، مراعاة للموقع الذي تشغله.
لم يكن صعباً لدى بعض المسؤولين الاستنتاج بأنّ كاردل تنحاز الى إسرائيل في الملفات المتصلة بلبنان، ولا سيما منها ما يتعلّق بترسيم الحدود البرّية والبحرية. وهناك مَن يضع هذا الانحياز في سياق محاولة المسؤولة الدولية كسبَ ودّ تل أبيب وثقتها، لعلّ ذلك يفيد في دفع إسرائيل الى استخدام نفوذها من أجل التأثير على مركز القرار في نيويورك لتثبيتها في منصبها بالأصالة.
وبمعزل عن نسبة الدقة في هذا الاستنتاج، إلّا أنّ الاكيد هو أنّ كاردل لا ترتدي القفازات الديبلوماسية عندما تكون المفاضلة هي بين المصالح اللبنانية والإسرائيلية. أكثر من ذلك، تفيد المعلومات أنّ هذه المسؤولة الدولية التي اصطدمت برئيس مجلس النواب نبيه بري في أحد لقاءاتهما تعمّدت خلال زياراتها الى عدد من القيادات اللبنانية «التحريض» عليه، واتّهامه بتعطيل الحلّ الحدودي مع إسرائيل.
وتجدر الاشارة الى أنّ بري لم يتردّد خلال لقاء عاصف بينه وبين كاردل قبل فترة في ترك مقعده والوقوف فجأة، في إشارة الى أنّ الاجتماعَ انتهى، بعدما بالغت المسؤولة الدولية في التماهي مع المقاربة الإسرائيلية للملف الحدودي واستخدمت اسلوباً غير مطابق للمواصفات الديبلوماسية في الردّ على رئيس المجلس، علماً أنه كان لافتاً أنّ كاردل لم تُدعَ الى حضور جلسة انتخاب رئيس مجلس النواب.
والظاهر، أنّ المزاج الشخصي امتزج بالطرح السياسي لدى كاردل، وفق الانطباع الذي تكوّن لدى مصادر واسعة الاطّلاع. وتكشف تلك المصادر عن أنّ المسؤولة الأُممية ابلغت الى رئيس حزب مسيحي، خلال لقائها به منذ مدة، أنّ بري «يتحمّل مسؤولية عدم الوصول الى تسوية حدودية مع إسرائيل لأنه يصرّ على الربط بين الترسيم البرّي والبحري ضمن سلّة واحدة». لكنّ القطب المسيحي تفادى يومها إعطاء أيّ إشارة الى أنه يوافقها الرأي، وبالتالي تجنّب مجاراتها في موقفها من رئيس المجلس.
لكنّ الأخطر، تبعاً للمصادر، هو ما قالته كاردل لمسؤول بارز ينتمي الى الطائفة السنّية، إذ نبّهته في أحد اجتماعاتهما الى أنّ بري «يتحدّاه ويريد إضعافه»، مكرِّرة الشكوى من موقف رئيس المجلس حيال مسألة الحدود مع إسرائيل. كما أنها نصحت شخصية سياسية أخرى بضرورة أن يحصل تفاهم بين الرئيس ميشال عون والحريري على فصل الترسيم الحدودي البرّي عن البحري وأن يتكرّس ذلك عبر مجلس النواب حيث في إمكانهما تأمين الأكثرية المطلوبة لهذا الغرض، مؤكدة أنّ الامم المتحدة ستدعم أيَّ تفاهم من هذا النوع.
وحتى عندما زارت كاردل طهران خلال شهر رمضان الفائت، ناقشت مع وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف ملفّ الترسيم الحدودي بين لبنان وإسرائيل وشرحت وجهة نظرها حياله، لكنها فوجئت بردٍّ حاسم من ظريف فحواه «أنّ طهران تشدّد على ضرورة احترام الحقوق اللبنانية كاملة على الصعيد الحدودي والنفطي، وأنها تؤيّد موقفَ بري كلياً في هذا المجال»، مشيراً الى أنّ القرار في هذه المسألة هو لبري و»حزب الله» يدعمه.
ولم تكن مجريات الاجتماع أفضل بين كاردل والامين العام للمجلس الاعلى للامن القومي الايراني علي شمخاني، خصوصاً حين تطرّق البحث الى «الاستراتيجية الدفاعية» ودور الجيش اللبناني، إذ أكد شمخاني أنّ المطلوب بداية تقوية الجيش ومدّه بالأسلحة الضرورية، لا سيما منها الجوّية، حتى يصبح قادراً على حماية السيادة، فأجابته كاردل أنّ ما يحمي لبنان ليس السلاح فقط وإنما المصالحات في المنطقة أيضاً!»
ويبدو انّ الحصيلة العامة لزيارة كاردل لإيران كانت سلبية. وقد وصل الى ديبلوماسي غربي في بيروت تقرير من زميله في طهران يفيد أنّ الايرانيين شعروا بأنّ المسؤولة الدولية تفتقر الى «الحنكة السياسية».