من أسبوع الى أسبوع والدولة تعاني خطر النَزْفِ أمام مدخل الطوارىء في المستشفى الحكومي.
الدولة تنزِفُ، وأهلُ الضحيَّةِ يتلاعبون كالأولاد بمصير البلاد، منهم أولادٌ بالعمر، ومنهم أولادٌ بالعقل، ومنهم صبيان عند السلطان.
مع أنّ الخبراء الإقتصاديين باتوا يلوِّحون بخطر يصيب لبنان على غرار ما كان في اليونان، والخطر يصبح أكبر مع التسويف في تأليف الحكومة، فلا يزال هؤلاء الآدميُّون يلهثَون خلف المقاعد الوزارية، حتى ولو كانت الحصص على تساقُطِ الجثث، ويعتمدون لعبة العضّ على الأصابع، مع أنّ العضّ لا يليق بهم.
لأن اليونان القديمة هي أمُّ الحضارة الأوروبية، فقد احتضنها الإتحاد الأوروبي بما يتحلَّى من غنىً وتماسك، فيما لبنان مؤسّس الحضارة التاريخي على يد الفينيقيين الذين تشهد لهم المدرسة اليونانية بنعمة العطاء الفلسفي، فقد أصبح هذا اللبنان بلد المتفلسفين بالأميّة والجهل، يحتضنه عالم عربي متفكّك، يتصارع في برك التخلّف والدم.
الأرث الحضاري التاريخي تفاعلت معه الدول الأوروبية بما جعلها أكثر إنسانية، والإرث التاريخي الحضاري تخلفت معه الدول العربية بما جعلها أكثر وحشية.
عندما أعلن البطريرك بشارة الراعي من على منصّة القصر الجمهوري أن الدولة تتراقص على حافة الإفلاس، إعتبر بعضهم أنّ الإفلاس على لسانٍ بطريركي هو نوع من الإفلاس الكهنوتي، فيما المؤسسات السياسية كلها، والقطاعات الحيوية والحياتية والإنسانية كلّها في لبنان، باتت تحتاج الى صلاة كهنوتية جنائزية، بل الى حكومة بمستوى فلاسفة اليونان من: سقراط الذي أسّس علم الأخلاق، الى أرسطو وأفلاطون وفيتاغوراس وهيراكليس، لإنقاذ لبنان من فضائح الحكومات والسماسرة الفرّيسيين الذين جعلوا بيت الله وبيت الشعب وبيت المال مغارة للّصوص.
الأمر كلّه يتعلق بأحجامهم، وأحجامهم هي التي حجَّمتْ لبنان، ولم يكتسبوها إلاّ بالمال المنهوب والمال المستورد وبالسلاح الميليشياوي، بما لا يُخفي أحجامهم الحقيقية: أحجام الأجسام وأحجام الأخلاق وأحجام العقول.
الرئيس نبيه بري يؤكد أن العقدة الأمّ في تأليف الحكومة هي العقدة المسيحية «والباقي من التفاصيل».
ومع أن العقدة المسيحية هي عقدة مارونية، والعقدة المارونية هي عقدة رئاسية، والعقدة الرئاسية مع الكبار لم تكن حرباً قاتلة، الكبار كانوا يتصارعون على رئاسة الجمهورية من دون أن يصرعوا الجمهورية، وكانوا يتناكزون بالأصابع ولم يتقاتلوا بالمدافع.
ولكنَ، هذا «الباقي» الذي سمّاه الرئيس برّي «بالتفاصيل» هو الذي تكمن فيه الشياطين، ويكمن فيه الخطر الوطني التاريخي، توافقاً مع قول الرئيس الفرنسي جورج بومبيدو: «إنّ قسماً من اليسار الفرنسي هو أميركي، والقسم الآخر سوفياتي».
في المحصّلة: هناك وطن ودولة وشعب ومسؤولون. ولبنان الذي كان المشارك الأبرز في وضع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، لم يبق من حقوق الإنسان فيه ما يتوافق مع بندٍ واحدٍ من البنود الثلاثين.
إذاً... تفضلوا، وتفلسفوا بأحجامكم لنرى ما ينطبق عليكم من قول الفيلسوف الإلماني شوبنهاور: الإنسان حيوان فيلسوف.