كلما تعمقنا في تاريخ أوطاننا العربية تأكد لنا زيف نشأتها والادعاء المزعوم بأنها جاءت نتيجة ثورة عربية للتخلص من حكم عثماني جائر حط في أرض العرب والممتدة من اليمن وأرض الحجاز وصولاً إلى أرض سورية الكبرى الطبيعية التي تشمل فلسطين والأردن والعراق وسورية ولبنان وكلما أوغلنا في سبر أغوار تفاصيل أسباب تقسيم أرضنا ونشوء أوطان منحت زوراً الهوية العربية اكتشفنا وهن تلك الأوطان التي نشأت بإرادة بريطانية على أرض الجزيرة العربية واقتسمتها مجموعة من الملوك والأمراء لتصبح أوطاناً بالاسم فقط وكلما أبحرنا في صفحات التاريخ وصفقاته المخفية والسرية تأكدنا أننا درسنا وحفظنا تاريخاً مزيفاً عن أوطاننا العربية لأنه تاريخ مزور غير مشرف لكنهم استطاعوا زرعه في أذهاننا بصورة مثالية بينما حقيقة الأمر أن تاريخ تلك الأوطان المنشأة على الأرض العربية هو تاريخ وهمي خال من الحقيقة ومن المروءة والنخوة والتزام الدفاع عن المبادئ والحقوق العربية هو تاريخ مليء بالغدر تشرّب خمر العمالة والاستزلام للأجنبي احترف صنع مؤامرات الخيانة والتجارة بالإنسان هو تاريخ حافل باحتراف مهنة بيع الضمير والإنسانية والمبادئ والأخلاق ناكثاً بالوعود باع أرض أجيال عربية فلسطينية بكاملها مقابل الفوز بزعامة أو مُلك زائف على قطعة ارض سموها وطناً هو تاريخ وضع أسساً لاستعمار أجنبي لبلادنا العربية على حساب وحدة الأرض والشعب وتحت عنوان الثورة العربية الكبرى للانتفاض ضد الوجود العثماني.
نجح أصحاب الأرض في الانصياع لأوامر بريطانيا التي حاكت ببراعة تامة مؤامرة تحت عنوان مساعدة الثورة العربية للتحرر من السلطنة العثمانية لكن حقيقة الأمر كان في نجاح تنفيذ مخطط بريطانيا بالتوافق مع الفرنسي للحلول مكان السلطنة العثمانية فكان ما عرف باتفاق سايكس البريطاني وبيكو الفرنسي 1916 الذي قام على أساس تقاسم النفوذ البريطاني الفرنسي على حساب الشعب والأرض العربية فكانت فلسطين التاريخية والأردن والعراق من حصة إدارة مباشرة من البريطاني أما لبنان وسورية من حصة الفرنسي وبذلك تقسمت سورية الكبرى الطبيعية لتصبح على غير طبيعتها واحتلت بلاد الشام.
تقصدت بريطانيا في جني ثمار مؤامرتها بدهاء وأوعزت إلى تقسيم سورية الكبرى الطبيعية منتزعة فلسطين والأردن والعراق بموافقة بعض ضعفاء النفوس من العرب وإغرائهم بالحكم والسيطرة فقامت بريطانيا بتنصيب كل من فيصل ملكاً على العراق وعبدالله الأول على الأردن لكن من خلال الغوص أكثر في تاريخ تلك الحقبة سرعان ما نكتشف تزامن عامل الوقت بين حقبة تقسيم سورية الكبرى الطبيعية للاستفراد بفلسطين الوطن وتمرير وتنفيذ فخ بريطاني نصب لبلادنا بدقة متناهية وهذا الفخ البريطاني ما عرف بوعد بلفور 1917 أي في العام الذي تلا اتفاقية سايكس وبيكو 1916 فضرب الصم والبكم والكفاف كل من تم تنصيبه من البريطاني حفاظاً على مُلك أو منصب مزيف فكانت موافقة ومساهمة ملوك الحجاز والعراق والأردن مؤشراً واضحاً على وضع اللبنة الأولى للتضحية ببيع فلسطين التاريخية والتخلي عنها لمصلحة الصهاينة اليهود ما أدى إلى ضياعها وانتزاعها من حضن العرب.
بمزيد من البحث في التاريخ المزيف الذي درسناه وحفظناه ولم نزل ندرسه لأجيالنا حتى يومنا هذا نكتشف كيف أن الغرب البريطاني تعمد إبراز دوره الايجابي في طرد العثماني من بلادنا وبالتالي لتتشرب الأجيال سموم خمر يؤدي إلى تغييب الحقيقة وهنا لا بد لنا من ذكر الوقائع ليس من باب الترحم على حكم السلطنة العثمانية فلا أسف عليها، بل لتبيان الحقائق التي لا بد لنا من تبيانها خدمة لأجيالنا وتجنباً لاستمرار خداع الأجيال القادمة فالحقيقة البائنة تعمّد الغرب إخفاءها لأنها تبرز النوايا الفتاكة في تفكيك أهم بقعة في منطقتنا وهي سورية الكبرى وما أخفته بريطانيا من وثائق في دهاليزها السرية يظهر لنا مدى نجاحها في غسل أدمغتنا وأجيالنا عبر كتب التاريخ التي خطت بحبر يسمم العقول ويعطلها عن ادراك الحقيقة الحافلة بالمؤامرات والدسائس والتواطؤ على بيع فلسطين والتضحية بسورية الكبرى وموقعها الجيوسياسي المميز والتي شارك بتنفيذها المملكات العربية المنصبة بريطانياً.
إن مؤامرة الملوك والأمراء العرب على فلسطين استمرت حتى ثورة عز الدين القسام 1936 المولود في سورية الكبرى حين جهز اكبر مقاومة ضد الاستعمار البريطاني وكاد أن ينجح في دحر الاستعمار لولا تواطؤ ملوك اليمن والحجاز والأردن والعراق ورضخوا لطلب المبعوث البريطاني غريفيث قائلاً لهم جملته الشهيرة (الزموا السكينة) فإن بريطانيا تعدكم بتثبيت حكمكم وإعلان الاستقلال لكن بشرط إخماد ثورة عز الدين القسام فانقلبوا عليه وراحت الثورة وتبخر معها وعد بريطانيا.
كلما قلبنا صفحات تاريخنا نكتشف كم كنا بلهاء بسطاء في تصديق تلك الروايات المزيفة التي تحدثت عن ثورة عربية كبرى أما حقيقة الأمر فإنها لم تكن ثورة كبرى بقدر ما كانت نكبة عربية كبرى ومن عز الدين القسام إلى جمال عبد الناصر وتآمر تلك الأنظمة الرجعية التي أنشأتها بريطانيا على مسيرة التحرر الناصرية ومن بعدها جاءت خيانة محمد أنور السادات وغدره الموصوف بسورية حافظ الأسد حين وقع اتفاقية كامب ديفيد وعقد صلحا منفردا مع العدو الإسرائيلي تاركاً سورية العروبة وحدها في قلب المعركة ثم كرت السبحة مع السلطة الفلسطينية بالتوقيع على اتفاق أوسلو المذل مقدمة كل أنواع الخنوع للعدو الإسرائيلي ولم تحقق أي شيء من الاتفاق حتى يومنا هذا.
تستمر السبحة العربية في تفككها وتآمرها لتصيب كل الملوك والأنظمة التي أنشأتها بريطانيا الأردن وقطر والسعودية والامارات والبحرين إضافة للمغرب العربي الذي أصابته عدوى التبادل الدبلوماسي والزيارات مع العدو الإسرائيلي تحت عنوان التفاوض من أجل فلسطين وحقوق الفلسطينيين ولم تكتف الرجعية العربية ببيع فلسطين بل أسهمت في ضرب سورية العروبة لأنها رفضت الرضوخ والمساومة وفضلت المقاومة ضد 88 دولة شاركت في التآمر عليها.
إن فلسطين التاريخية سُلخ نصفها في عام 1948 أما اليوم وأمام قرار الكنيست باعتبار فلسطين المحتلة هي الدولة القومية للشعب اليهودي، وأن حق تقرير المصير فيها حصري للشعب اليهودي فقط، والقدس المحتلة الكاملة والموحدة هي عاصمة إسرائيل، وتكريس اللغة العبرية لغة رسمية في إسرائيل ونزع هذه الصفة عن اللغة العربية|، كل هذا مترافقاً مع التزام السكينة العربية يثبت مره أخرى إننا كعرب لم نزل مستعمرين.
نختم بالقول: إن الجمهورية العربية السورية هي الدولة الوحيدة التي حافظت على الهوية العربية وسعت بكل صدق إلى تحقيق القومية وحاربت دفاعاً عن شرف الأمة العربية ودفاعاً عن فلسطين ولبنان والأردن وساعدت العراق ضد الاحتلال الأميركي وقاتلت من أجل كتابة تاريخ التحرر الحقيقي تاريخ مجيد صحيح تفخر به الأمة والأجيال العربية ولنكتشف كم كنا بلهاء.