عندما عزّز الجيش اللبناني إنتشاره في البقاع خلال الأسابيع القليلة الماضية، جرى التأكيد أنّ "الخطة الأمنيّة" تختلف هذه المرّة عن سابقاتها، حيث أنّها غير مُحدّدة بسقف زمني، ما يعني أنّ سيناريو فرار كبار المطلوبين –كالعادة- لن يتكرر هذه المرّة، لأنّ أجهزة الإستخبارات والقوى الأمنيّة بإنتظارهم! وهكذا كان...وفق ما أثبته النموذج الأوّلي الذي أجراه الجيش أمس الأوّل الإثنين. فما الذي حصل، وهل ستنجح مُحاولات الإجهاض القائمة حاليًا من قبل بعض المُتضرّرين من فرض هيبة الدولة مُجدّدًا في البقاع الشمالي؟
يوم الإثنين الماضي، وما أن جرى تحديد مكان وُجود علي زيد اسماعيل المطلوب بعدد ضخم من مُذكرات التوقيف في بلدة الحموديّة البقاعيّة، من قبل وحدة رصد إستخباريّة خاصة، حتى أعطيت الأوامر للوحدات العسكريّة المُرابطة في المنطقة للتحرّك بدعم من وحدات خاصة أرسلت على عجل من بيروت، فجرى فرض طوق على الموقع المُستهدف، وإقامة حواجز ثابتة داخل البلدة المذكورة بالتزامن مع إقفال مُختلف الطرقات والمفارق الفرعيّة التي يُمكن أن يفرّ منها المطلوبون. وخلال عمليّة الدهم والتقدّم التدريجي نحو الموقع المُحاصر، حاولت قوى الجيش المُشاركة في العمليّة والمدعومة من وحدات من فوجَي المغاوير والمجوقل حثّ المطلوبين على الإستسلام، عبر إطلاق نداءات بمكبرات الصوت لهذا الغرض، ثم راحت تتعامل مع مصادر إطلاق النار عليها بالمثل في الوقت الذي تولّت فيه طوّافة عسكريّة إطلاق النار على من حاول الفرار من الموقع بدلاً من تسليم نفسه للقوى الأمنيّة، ما أدّى إلى مقتل ثمانية أشخاص من بينهم المطلوب اسماعيل، أحد أهمّ تجّار ومروّجي المُخدرات في لبنان وبيروت بشكل خاص، وأحد أهمّ قادة العصابات المُسلّحة المتهمة بالإتجار بالأسلحة وبسلب السيارات بقوّة السلاح وبالتزوير، وكذلك بإطلاق النار على العديد من دوريات الأمن في السابق وإيقاع إصابات عدّة في صُفوف عناصرها والتسبب بإستشهاد الرقيب أوّل إدمون سمعان في أيّار من العام 2015...
وعلى الرغم من نجاح العمليّة الأمنيّة النوعيّة، بأقل أضرار بشريّة ومادية مُمكنة نسبة إلى قُوّة النيران الرشّاشة والصاروخيّة التي جُوبهت بها الوحدات العسكريّة الرسميّة التي شاركت في العمليّة الخاطفة، إستغلّ بعض المُتضرّرين من فرض الأمن في البقاع الشمالي وعودة هيبة الدولة إلى المنطقة، سُقوط عدد من القتلى والجرحى في صُفوف من كانوا برفقة المطلوب اسماعيل ومُسلّحيه، لقطع بعض الطرقات، ولإثارة الغبار على عمليّة الجيش، على أمل تأمين الضغط المعنوي الكفيل بوقف هذا النوع من المُداهمات الأمنيّة. لكن وبحسب المعلومات المتوفّرة، فإنّ القرار الأمني مُتخذ على أعلى المُستويات، وبغطاء سياسي واسع، للمُضيّ قُدمًا بالخطة الأمنيّة الخاصة بمنطقة البقاع، حيث أنّ من كان يستهزئ بفرار المطلوبين و"الرؤوس الكبيرة" عند بداية كل خطّة أمنيّة جديدة للبقاع، لمس هذه المرّة جدّية على مُستوى قرار تفكيك "إمارات" المخدّرات والعصابات مهما تطلب الامر. فبقاء هؤلاء المطلوبين خارج المنطقة، يعني عمليًا شلّ قُدراتهم على التحرّك ميدانيًا، وما ان يتمّ رصد عودة أي منهم من مكان إختبائه، أكان في الداخل السُوري أو في مناطق حُدوديّة نائية، سيتم تنفيذ عمليّات دهم مُشابهة للنموذج الناجح الذي تمّ في بلدة الحموديّة أمس الأوّل.ومن شأن الإعترافات التي سيُدلي بها الموقوفون الذين جرى إعتقالهم خلال العمليّة، أن تُؤمّن المزيد من المعلومات المفيدة للقوى الأمنيّة لكشف مخابئ المطلوبين الفارين وأساليب عملهم وتحرّكهم.
وبالتالي، من المُتوقّع أن تتواصل في الأيام والأسابيع وحتى الأشهر المُقبلة، عمليّات الرصد الإستخباري لكبار المطلوبين الفارين، في ظلّ جُهوزيّة عالية من جانب القوى الأمنيّة للتعامل مع أي طارئ، ولتلبية أي أمر يقضي بتنفيذ مُداهمة أمنيّة عاجلة فور تحديد أي موقع مشبوه يختبئ فيه أحد رؤساء العصابات المُسلّحة. ولن تنفع بعض المواقف المُعترضة، ولا بعض أعمال الشغب على الطرقات، في وقف قرار إنهاء الوضع الشاذ في البقاع والذي كان قد ترك آثاره السلبيّة على كامل مساحة لبنان، ولم يعد من الجائز على الإطلاق عدم مُعالجته من جُذوره... مهما بلغت التضحيات.