لا يدع المسؤولون في لبنان مناسبة الا ويعلنون فيها الدعوة الى عودة النازحين السوريين الى ارضهم. ولكن في مقابل الاتفاق على هذه النقطة، هناك خلاف كبير على موضوع اساسي وهو السبيل لتحقيق هذه العودة، وهل سيتم ذلك بالتنسيق مع الحكومة السورية ام لا؟ وما اذا كان المجتمع الدولي راضياً عن هذه الطريقة ام انه يعتبرها عودة الزامية وعنوة؟ وهل تشكل المبادرة الروسية في هذا الاطار المخرج المناسب للازمة؟
بغض النظر عن كل هذه الامور، بدأ "حزب الله" عملية اعادة النازحين. لا يحتاج اثنان الى القول ان هذه الخطوة خجولة ولا ترقى الى مستوى النزوح الجارف الذي عانى منه لبنان على مدى السنوات الماضية، لكنه الخطوة الاولى على طريق الالف ميل وكان لا بد من القيام بها كي لا نبقى في اطار النظريات دون الانتقال الى العمل الملموس. هناك من يؤيد ما قام به "حزب الله" وهناك من يعارضه، ولكل اسبابه ونطرياته ولن يكون من السهل ابدأً اقناع اي من الطرفين بعدم صوابية رؤيته، الا ان ما لا يمكن انكاره ان الحزب استطاع ان يتخطى عقبة مهمة في الطريقالى اعادة النازحين. في الواقع، يرى الكثيرون ان الحزب انما يقوم بهذا العمل كي لا يجد نفسه محاصراً بأعداد كبيرة من النازحين السوريين في مناطق تواجده، نظراً الى ما سيترتب على هذا الواقع من "محاصرة" للحزب وتحركاته ونشاطاته العسكرية والسياسة على حد سواء. ويرى اصحاب هذا الرأي ان هذا هو الحافز الوحيد الذي دفع الحزب للبدء عملياً بعملية اعادة النازحين السوريين، وليس بهدف اعادة لم الشمل السوري او تجنبي لبنان تداعيات اقتصادية واجتماعية وامنية سيدفعها في حال بقي هؤلاء على ارضه.
قد يكون اصحاب هذه النظرية على حق، وقد لا يكونون، ولكن في كلتا الحالتين، هناك واقع ملموس وهو ان احداً لم يقم بأي خطوة من اجل البدء بحل هذه المسألة، واذا كانت الاعداد التي تعود الى سوريا لا تزال متواضعة وقليلة جداً نسبة الى مئات الآلاف الذين لا يزالون في لبنان، غير انه يجب النظر الى الامور من ناحية اخرى وهي ان العملية بدأت بالفعل، وتمكن الحزب من تخطي عقبتين اساسيتين. الاولى العمل تحت ستار الدولة، من خلال التنسيق مع جهاز الامن العام، والثانية تخطي اللغط حول العودة القسرية او الطوعية. في الشق الاول، بات من غير السهل على احد اتهام الحزب بأنه ازاح الدولة وحلّ مكانها، او ان الدولة اللبنانية تعاطت مع نظام قائم في سوريا يعتبره البعض في الدول العربية والعالم بأنه نظام "مجرم" لا يجب التواصل معه تحت اي ظرف. فالتنسيق بين الامن العام وسوريا قائم منذ ومن بعيد، كما ان الحكومة اعطت رئيس هذه المديرية تفويضاً بالتفاوض والتواصل مع كل الجهات.
اما في الشق الثاني، فلم يسجّل اي شكوى او دعوى بتعرض اي من العائدين الى ضغوط او تهديدات لمغادرة الاراضي اللبنانية، او ان حياتهم مهددة في سوريا، اضافة الى انه لم تسجل اي حالة خطف او قتل للعائدين داخل الاراضي السورية.
الرد من قبل القوى المناهضة لسياسة حزب الله اتى سريعاً، ووفرته المبادرة الروسية التي قيل انه تم الاتفاق عليها مع الولايات المتحدة خلال قمة هلسنكي، وهي وفّرت مادة دسمة لمعارضي الحزب وسياسته، من اجل التدليل على انه يمكن القيام بخطوة اساسية في عملية اعادة النازحين دون الحاجة الى التطبيع مع النظام السوري.ويعوّل هؤلاء على ان المبادرة ستعيد ليس بعض المئات، انما مئات الآلاف من اانازحين الى ارضهم وبالسرعة اللازمة، مع افضلية اساسية وهي ضمانة دولة كبرى هي روسيا وبموافقة دولة كبرى اخرى هي الولايات المتحدة.
فهل حان وقت العودة؟ لا يهم لمن يعود الفضل بافراغ لبنان من الاعداد الهائلة للنازحين على ارضه، انما الهدف الاسمى يبقى في تحقيق هذه العودة دون اثمان وخلال فترة زمنية قصيرة.