على الرغم من كثرة "العقد" التي تواجه مُحاولات تشكيل الحُكومة الجديدة، والتي تتضمّن عقدّة مسيحيّة وأخرى درزية وثالثة سنّية-بحسب ما إصطلح على تسميتها إعلاميًا، وعلى الرغم من أنّ مفاوضات التأليف لم تصل نهائيًا بعد إلى مرحلة توزيع الحقائب وإسقاط الأسماء، إلا أنّ ولادة الحُكومة مرتبطة عمليًا بعقدة واحدة أساسيّة، ليُصار بعدها إلى تذليل باقي العقد - التفاصيل في غُضون أيّام قليلة. فما هي هذه العقدة؟.
بكل بساطة، إنّ البحث القائم على أكثر من خطّ مُنذ تكليف رئيس "تيّار المُستقبل" سعد الحريري تشكيل الحُكومة الجديدة، قبل نحو شهرين، يتمحور حول مسألة توزيع الحصص الوزارية على الأفرقاء الرئيسيّين، أي تحديد عدد الوزراء الذين سينالهم كل فريق سياسي من بين القوى الأساسيّة أي "التيار الوطني الحُر" و"القوات اللبنانية" و"تيّار المُستقبل" و"الحزب التقدمي الإشتراكي" و"حزب الله" و"حركة أمل". وجولة المُحادثات الأخيرة في قصر بعبدا بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، ورئيس الحُكومة المُكلّف سعد الحريري تركّزت حصرًا على عدد الوزراء الذين سينالهم كل فريق. وتردّد في معلومات غير أكيدة، أنّ رئيس الحكومة المُكلف عرض على رئيس الجُمهورية توزيعًا مبدئيًا ينصّ على أن تكون حصّة حزب "القوات" 4 وزراء، وحصّة الحزب "الإشتراكي" 3 وزراء، وحصّة "المُستقبل" 6 وزراء (من بينهم رئيس مجلس الوزراء). ويُمثّل هذا التوزيع تكرارًا لتوازنات الحُكومة الحالية التي تتمثّل فيها كل من أحزاب "المُستقبل" و"القوات" و"الإشتراكي" بما مجموعه 13 وزيرًا (من بينهم رئيس الحُكومة) في مقابل 17 وزيرًا لكل من "التيّار الوطني الحُر" وقوى "8 آذار"، حيث أنّ للقوات حاليًا ثلاثة وزراء إضافة إلى وزير حليف هو ميشال فرعون، بينما للمُستقبل 7 وزراء سيتم تجيير أحدهم لصالح الحزب "الإشتراكي" لرفع عدد وزرائه في الحكومة من إثنين حاليًا إلى ثلاثة في الحكومة المرتقبة، لحلّ مُشكلة مُطالبة هذا الأخير بحصّة من ثلاثة وزراء.
وفي حال وافقت باقي الأطراف على هذا التوزيع، وفي طليعتها "التيّار الوطني الحُر" و"الثنائي الشيعي"، فإنّ المرحلة الأصعب من مراحل تشكيل الحُكومة تكون قد أُنجزت. والسبب أنّ توزيع الوزارات السياديّة الأربع (أي الدفاع والداخلية والخارجيّة والمالية) سيبقى من دون تغيير، بحيث يحتفظ كل فريق بالوزارة نفسها التي يحملها اليوم. وبالتالي، وبحسب المعلومات الأوّلية إنّ "القوات" لن تنال منصب نائب رئيس الوزراء ولا وزارة "سياديّة"، لكنّها ستُمنح وزارة أخرى تحظى بأهمّية كبيرة، قد تكون مثلاً وزارة العدل. وبالنسبة إلى الوزارات الخدماتية، فإنّ مبدأ المُداورة سيُطبّق عليها، بحيث سيُعاد خلطها من جديد، لكن من دون تغيير في الحُصص، باستثناء حُصول "حزب الله" هذه المرّة على وزارة خدماتية وازنة، على حساب سحب وزارة خدماتية أساسيّة من يد "تيّار المردة". وما سيُطبق على الوزارات الخدماتية سيشمل أيضًا الوزارات العادية، حيث سيُعاد توزيعها بشكل مختلف عن توزيعها الحالي، لتحظى هذه الوزارات بوزراء جُدد، لكن من دون تغيير في الحصص المُعطاة لكل فريق سياسي. و"السيناريو" نفسه سينطبق على وزراء الدولة الذين سيُوزّعون بمعدّل وزير واحد لكل فريق.
وإنطلاقًا مّما سبق، بمجرّد مُوافقة مُختلف الأطراف على التوازن السياسي الإجمالي العام للحكومة، أي 13 وزيرًا لكل من "المُستقبل" (6) على أن تكون من بينها شخصيّة مسيحيّة، و"القوات" (4) و"الإشتراكي" (3)، من ضمنهم رئيس الحكومة بطبيعة الحال ومع تسجيل إنتقال أحد الوزراء من عهدة "المُستقبل" إلى عهدة "الإشتراكي"، في مُقابل 10 وزراء لكل من رئيس الجمهورية (3) على أن تكون من بينها شخصيّة سنّية، و"التيّار الوطني الحُر" (6) و"الطاشناق" (1)، و7 وزراء لكل من "حزب الله" (3) وحركة أمل" (3) و"المردة" (1)، فإنّ المرحلة الثانية المُخصّصة لتوزيع الحقائب الوزارية لن تكون طويلة على الإطلاق، ومسألة إسقاط الأسماء عليها ستكون بدورها سهلة وسريعة.
وبالتالي، الساعات المُقبلة، أو الأيّام القليلة المُقبلة على أبعد تقدير، ستحمل من دون شك الإتجاه الذي ستسلكه الأمور على خطّ التأليف، فإمّا يبدأ العد العكسي لولادة الحُكومة بمجرّد حُصول كل من رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة المُكلّف على "ضوء أخضر" بالنسبة إلى توزيع الحصص الوزاريّة، وإلا-في حال الرفض أو الإعتراض من أحد الأطراف السياسيّة الفاعلة، ستعود الأمور مُجدّدًا إلى نقطة البداية، علمًا أنّ العودة إلى المُطالبة بتطبيق معيار واحد وواضح في عمليّة التشكيل، من جانب "كتلة الوفاء للمقاومة"، لا يدعو إلى كثير من التفاؤل بقرب تأليف الحُكومة!