بعد سبعين عاما من احتلال فلسطين وتشريد قسما كبيرا من سكانها الأصليين العرب الفلسطينيين، وبعد مئة عام على وعد بلفور البريطاني المشؤوم الذي أعطى من لا يملك لمن لا يستحق،بإقامة وطن قومي لليهود الصهاينة في فلسطين، جاء إقرار الكنيست الصهيوني لـ قانون الدولة القومية اليهودية على أرض فلسطين التاريخية بمثابة تتويج لهذا التاريخ الطويل من الاحتلال والاغتصاب لحقوق العرب الفلسطينيين في وطنهم وأرضهم وديارهم، ومحاولة إضفاء الطابع القانوني الصهيوني على هذه الممارسات التعسفية المستمرة دون توقف، ودون إقامة أي وزن أو اعتبار للقوانين والمواثيق الدولية التي تقر بحق الشعب العربي الفلسطيني في فلسطين والعودة إليها. إن هذا القانون العنصري إنما يستهدف إضفاء شرعية قانونية واهية على الاحتلال وما قام ويقوم وسيقوم به من سرقة لأراضي العرب الفلسطينيين وإرهاب وجرائم بحقهم ما يجعلنا أمام أكبر جريمة إرهابية لصوصية عرفها التاريخ تجري أمام مرأى من العالم أجمع تقوم على اختراع واصطناع قومية على أساس الدين تنطلق من أسطورة بنت عليها الحركة الصهيونية كل بنيانها الاديولوجي لتبرير السيطرة على فلسطين وطرد شعبها العربي بالزعم أنها ارض الميعاد لشعب الله المختار، وبالتالي نكران أي حق للشعب العربي الفلسطيني في وطنه، لا بل اعتبار الفلسطينيين الموجودين على أرضهم غرباء لا حق لهم بالبقاء ومن حق الدولة اليهودية بموجب القانون العنصري أن تسلبهم أرضهم وهدم منازلهم متى أرادت ذلك ورأت فيه مصلحة لها، كما جرى مؤخرا في حي خان الأحمر قرب القدس المحتلة.
لكن ماذا يعني إقرار مثل هذا القانون الصهيوني الجديد؟.
وما هي النتائج المترتبة عليه؟.
واستطرادا ما هي انعكاساته على الصراع العربي الصهيوني؟.
أولا: إن إقرار قانون الدولة القومية اليهودية يعني محاولة قسرية لاختراع شعب اسمه "الشعب اليهودي" في حين أنه في الحقيقة والواقع لا وجود لـ شعب أو قومية في العالم كله مبنية على أساس الدين، فاليهود ليسوا شعبا أو قومية، مثلهم مثل المسيحيين والمسلمين، فهناك يهود عرب وفرنسيين وأميركيين وألمان وروس...الخ، تماما كما هناك مسيحيين ومسلمين من مختلف الأمم والقوميات. ولهذا فان إعلان أن فلسطين هي وطن الشعب اليهودي باطل لأنه لا يوجد أصلا "شعب يهودي".
وفي هذا السياق كتب رئيس قسم التاريخ في جامعة تل أبيب شلومو ساند كتابا سماه "اختراع الشعب اليهودي" وقال: "ليس هناك وثائق تاريخية تثبت طرد الرومان للشعب اليهودي في أي وقت من الأوقات.. وأن مجموعة من المثقفين اليهود في ألمانيا، الذين تأثروا بالحماس المتقد للقومية الألمانية، أخذوا على عاتقهم مهمة "اختراع قومية يهودية" وأن"فكرة الوعود بعودة الأمة اليهودية إلى الأرض الموعودة هي فكرة غريبة تماما على اليهودية، وهي لم تظهر إلا مع ميلاد الصهيونية".
ثانيا: إصرار الكيان الصهيوني الاحتلالي على تحويل الأسطورة إلى واقع يدفع الصراع على أرض فلسطين ليأخذ منحى عنصريا نازيا، يقوم على التعامل مع سكان البلاد الأصليين باعتبارهم من الدرجة الثانية ولا يتمتعون بنفس الحقوق التي يتمتع بها المستوطنون اليهود، مما يشجع هؤلاء على ممارسة شتى صنوف التمييز والقهر والإرهاب ضد الفلسطينيين باسم هذا القانون، الأمر الذي سيؤجج الصراع على نحو غير مسبوق، فالى جانب ما كان عليه الوضع أيام نظام الفصل والتمييز العنصري في جنوب إفريقيا هناك أيضا احتلال واغتصاب للأرض وحرمان لشعب من حقه في وطنه، وهذا يشكل قمة وذروة الاضطهاد القومي والإنساني.
ثالثاً: من الطبيعي أن يقود مثل هذا الوضع غير المسبوق في تاريخ الإنسانية والذي يتجاوز النازية والفاشية إلى إسدال الستار وسد الأبواب نهائيا على أي أفق أو إمكانية لتحقيق تسوية أو حل سياسي للصراع اعتقد بعض العرب والفلسطينيين أنه ممكن إذا ما تم تقديم التنازلات واعترفوا بوجود دولة الاحتلال الإسرائيلي، لكنهم اكتشفوا أن هذا الكيان الاحتلالي لا حدود لاغتصابه وأطماعه وأنه كلما قدمت له تنازلا ازداد طمعا للحصول على المزيد وشعر بأنه قادر على بلوغ ما يسعى إليه من تحقيق حلمه الأسطورة بانتزاع الاعتراف بدولته اليهودية الصهيونية العنصرية على قاعدة نفي حقوق الشعب العربي الفلسطيني، واعتبار فلسطين ملك للصهاينة فقط ولا حق للفلسطينيين العرب فيها.
رابعا: انطلاقا مما تقدم فان القانون الصهيوني الجديد بالرغم مما سبق ذكره من سلبيات ومخاطر، سيكون له بالتأكيد انعكاسات ايجابية يمكن تحديدها بايجابيتين:
الايجابية الأولى: إنهاء مسرحية المفاوضات ووهم التسوية مع الكيان الصهيوني، وبالتالي سقوط مدو لنهج ومسار أوسلو الكارثي وغيره من اتفاقات لم تؤد سوى إلى تقديم الخدمات المجانية للعدو وتمكينه من كسب المزيد من الوقت لتحقيق أهدافه وأطماعه ومخططاته في أرض فلسطين العربية وصولاً إلى إعلان الدولة اليهودية القومية ومحاولة نكران أي حق للشعب العربي الفلسطيني وتصفية القضية الفلسطينية.
إن مثل هذا السقوط لمسار ونهج التفاوض والاتفاقات مع العدو يصب في مصلحة رد الاعتبار لنهج التمسك بالحقوق ورفض المساومة عليها والعمل على تعزيز وتحصين الوعي بأهمية وضرورة النضال والكفاح من أجل تحرير فلسطين واسترداد كامل حقوقنا العربية فيها من المحتلين الصهاينة.
الايجابية الثانية: تأكيد جديد بأن لا خيار أمام الفلسطينيين والعرب لتحرير فلسطين سوى العودة إلى انتهاج خيار المقاومة الشعبية والمسلحة المستندة إلى عدالة القضية.
على أن اعتماد هذا الخيار المقاوم يجب أن يبنى على قاعدة إستراتيجية، أي أن المطلوب بناء بنية للمقاومة على أساس مشروع تحرري غير مساوم والعمل لتوفير كل مقوماته لخوض النضال والكفاح المسلح ضد الاحتلال بأفق التحرير كخيار استراتيجي، على غرار تجارب حركات التحرر الوطني الظافرة التي نجحت في تحرير أوطانها من الاحتلال والاستعمار، كالتجربة الفيتنامية والتجربة الجزائرية، واللبنانية..الخ.
لهذا كله فان حركات وفصائل المقاومة الفلسطينية على اختلاف انتماءاتها وأطيافها مدعوة لأخذ العبر والدروس والعمل على تركيز جهودها لإعادة تنظيم وبلورة حركة التحرر الوطني العربية الفلسطينية على هذه القاعدة الإستراتيجية وعدم البقاء في حالة الانتظار القاتلة للقضية التي يستفيد منها العدو أيما استفادة...