مَثَل الشاب اللبناني ــ الأسترالي المتهم بالتخطيط لتفجير نفسه بطائرة إماراتية متوجهة من سيدني إلى بيروت، أمام هيئة المحكمة العسكرية. على مدى ساعة، دافع عامر الخياط عن نفسه. أضحك الحاضرين في القاعة ثم بكى ومسح دموعه، متّهماً شقيقيه بدسّ قنبلتين في حقيبته
بكل سلاسة، وقف عامر الخيّاط، المتّهم بالتخطيط لتفجير طائرة بعملية انتحارية، أمام المحكمة العسكرية في بيروت، ومن حوله حشد من القضاة والصحافيين من مؤسسات لبنانية وعربية وعالمية.
لطافة توحي بكل شيء سوى أنّ الخياط أحد انتحاريي تنظيم «الدولة الإسلامية» المكلّف بتفجير نفسه في طائرة ركاب مدنية تابعة لشركة «الاتحاد» الإماراتية، وعلى متنها نحو 400 راكب، بعد إقلاعها من مطار سيدني متوجهة نحو مطار بيروت، بعد محطة أولى في مطار أبو ظبي.
الحكم على الخياط بالذنب من عدمه لا يزال صعباً، في ظل الانقسام بين صدقه واحتياله. الأربعيني الناعم الذي يُخيَّل للناظر إليه كأنه يتمايل مع كل «انتفاضة» يُدافع بها عن نفسه أمام رئيس المحكمة العسكرية الدائمة العميد حسين عبدالله، ضحِك من التهمة الموجّهة إليه. حكى الشاب النحيل الذي حضر مرتدياً سترةً نبيذية وبنطلون جينز عن النساء والـ«Boy friend» وسهرات النوادي الليلية وتعاطي المخدرات، متحدياً أن يجد أحد لديه حتى عبارة «لا إله إلا الله». ورغم أنه لم ينف أنّ شقيقه طارق الخياط هو أمير شرعي في تنظيم «داعش» يُشتهر بلقب «أبو عبدالله الطرابلسي»، وأن ولدي طارق قتلا هناك مع مجموعات إرهابية، غير أنه وضع يُمناه ويُسراه على القرآن والانجيل ليُقسم أنّه بريء ولا علاقة له بالإرهاب والإرهابيين.
في البداية، بدا عامر الخيّاط مرتاباً كالخائف على مصيره عندما كرر رئيس المحكمة السؤال عن شقيقه طارق فخاطبه قائلاً: «هلق إذا بدي روح على أستراليا ما بيفوتوني، بيفكروني إرهابي». لم يكتف بذلك، بل ذهب أبعد من ذلك: «أنا ملطوش ولطشوني أكتر بالتحقيق. كنت مفكّر داعش شخص واحد هيك اسمو، وبالتحقيق عرفت إنو تنظيم». ضحِك الخيّاط وصفّق مراراً لمحاميته. طالبها بأن تتحدث عنه بعدما تعِب، لكونه يدفع لها المال حتى تتكلّم. طَيَّب الانتحاري المتّهم لرئيس المحكمة، معرباً عن إعجابه ببعض الأسئلة التي طرحها عليه، إذ كيف يعمد انتحاري إلى طلب إجازة من عمله تُحدد موعد عودته وهو لن يعود؟!
غير أنّ رئيس المحكمة ذكره بأنّه أجاب إجابة منطقية عن السؤال الذي طرحه محقّقو فرع المعلومات بالقول: «لإخفاء الدليل على أنه المنفّذ إذا ما نجحت العملية، ليحمي شقيقيه لاحقاً». في إحدى اللحظات، طلب عامر الخياط توقف المحاكمة، مقترحاً إرجاء الجلسة، لأنه لم يعد يحتمل، ثم أكمل. استهزأ الخياط كثيراً بالتّهمة المنسوبة إليه قبل أن يبكي كثيراً على حاله.
للوهلة الأولى، يُخيّل إليك أنّك أمام شابٍ مضطرب أو واقع تحت صدمة عاطفية أو أنّه يؤدي عرضاً مسرحياً، ما يجعل من مهمة رئيس المحكمة أكثر صعوبة. غير أنّ العميد حسين عبدالله نجح في «دوزنة» مسار التحقيق، فتارة كان يتساهل معه وأخرى يبدو شديداً وصارماً. ورغم أنّ الخياط بدأ إفادته أمام هيئة المحكمة بنفي ما نُسب إليه في التحقيقات التي أجراها فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي، مدّعياً أنها انتُزعت منه تحت الضغط، إلا أنّه عاود سرد القصة بالتفاصيل نفسها التي أوردها المحققون. تحدث عن الوقائع نفسها التي حصلت أثناء الإعداد للعملية، باستثناء تفصيل وحيد، إذا صحّ، فإنه كفيل بإخراجه بريئاً.
خيّاط كان جازماً بأنّ أحداً من إخوته لم يفاتحه بتنفيذ عملية انتحارية. بل لم يُعلمه أنّه يحمل قنبلة أو أنّه سيكون أداة لتفجير الطائرة التي يستقلها. أما عن العبوتين الناسفتين اللتين كان في صدد نقلهما داخل دمية وفرّامة لحمة على متن الطائرة إلى لبنان، فأكد أنّه لم يعرف أبداً أنّهما متفجرتان مزوّدتان بمؤقت زمني، لكنه ذكر أن شقيقه محمود سلمهما له في حقيبة يد صغيرة وضمنهما لعبة «باربي» كان ينبغي أن يعطيها الى ابنة شقيقته في طرابلس البالغة من العمر أربع سنوات، ولما وصلا الى مكان وزن الحقائب، أخبرته الموظفة بأن الحمولة زائدة، عندها سحب محمود حقيبة الـ«باربي» وكانت ثقيلة. كذلك سرد كيف انتزع شقيقه بعض الملابس من هذه الحقيبة جراء الوزن الزائد، ما يؤكد رواية المحققين بأنّه إنما انتزع «فرامة اللحمة» التي تحوي العبوة الناسفة قبل أن يغادر مسرعاً.
أما بشأن ما ورد في إفادته أن شقيقه خلال عطلة عيد الفطر أبلغه أنّ سلوكه مهين وجلب العار للعائلة طالباً منه تنفيذ عملية انتحارية، فأكد خياط أنّ بداية الحديث صحيحة، لكنه جزم بأنّه لم يطلب منه تنفيذ عمل إرهابي، بل طلب إليه أن يتّقي الله. أما أبرز الاجابات غير المقنعة التي قدّمها الخياط، فكانت مسألة حجزه تذكرة سفر على الخطوط الجوية الإماراتية. ذكر أنّه حجز على خطوط الاتحاد بناءً على طلب شقيقه، رغم أنّها كانت أغلى ثمناً من الخطوط الجوية القطرية. ولدى سؤال رئيس المحكمة له عن سبب اختياره الخطوط الأغلى من دون الاستفهام من شقيقه، ردّ بأنه كان قد أنهى الحجز. سأله رئيس المحكمة عن تسجيلات صوتية بينه وبين شقيقه، يتضمن أحدها استفساراً من شقيقه فيه خشية من أن يكون قد أخبر أحداً من المقيمين معه في شقة السكن أنّه بصدد القيام بعمل إرهابي جرّاء خلاف بينه وبين الشاب الباكستاني الذي يشاركه السكن، فردّ بالنفي قائلاً: «يمكن صاحب البيت لأني كنت عم صلّي واسمع أناشيد فكّرني بدي أعمل عمل إرهابي».
تحدث الموقوف عن مشاكل عصبية أصيب بها في عام ٢٠١٥ دفعته إلى تعاطي المخدرات، لكنه أردف قائلاً: «مستحيل انتحر. أنا هيك بجيب مصاري (مشيراً إلى حركة بيده أنّها بهذه السهولة) لأن العالم بتحبّني».
كرر رئيس المحكمة أنّ السلطات الأسترالية لا تتعاون مع المحكمة بخصوص تزويد لبنان بمضمون التحقيقات مع محمود وخالد، الشقيقين المتهمين بالتخطيط لتفجير الطائرة الإماراتية، علماً بأنّ لدى الأستراليين كاميرات وصوراً وتحقيقات واعترافات الموقوفين لديهم. وفي ختام الجلسة، طلب العميد عبدالله تسطير رسالة إلى فرع المعلومات لإيداع قلم المحكمة التسجيلات الصوتية للمتهم للاستماع إليها في الجلسة المقبلة، قبل أن يرجئ استكمال الاستجواب إلى الرابع من شهر أيلول المقبل.