في ضوء مبادرة الرئيس الاميركي دونالد ترامب للحوار مع المسؤولين الايرانيين «بلا شروط مسبقة»، بَدا انّ الاستحقاق الحكومي اللبناني بات معلقاً على قارعة التطورات التي يشهدها الاقليم في ضوء هذه المبادرة التي لا يستبعد البعض ان تؤدي الى صفقة بين واشنطن وطهران «تيمناً» بـ«النسق الكوري» الشمالي.
مبادرة ترامب جاءت بعد ايام من لقاء القمة بينه وبين نظيره الروسي فلاديمير بوتين مع هلسنكي، والتي يبدو انها هندست مجموعة من الحلول او حددت، على الأرجح، مقدمات حلول للأزمات الاقليمية وفي مقدمها الأزمة السورية، بدليل ما اتفق عليه من لجان وإجراءات لإعادة النازحين السوريين الى بلادهم.
وقد أثارت مبادرة ترامب تساؤلات كثيرة حول اهدافها وأبعادها والخلفيات، وراوَح بعضها بين آخذ بهذه المبادرة على محمل الجد في ضوء التسوية التي أبرمها ترامب مع كوريا الشمالية بعد سنوات من التهديد والتصعيد المتبادل، وبين مشكّك بجديتها والخشية من أن تكون مناورة حتى اذا رفضتها طهران يكون ذلك ذريعة لواشنطن وحلفائها كي يخوضوا مواجهة تأخذ اشكالاً مختلفة ضد إيران على كل المستويات بغية تقويض نفوذها الاقليمي المتعاظم.
وثمة من يقول انّ دول الخليج العربي توقفت بكثير من الاهتمام، بل والاستغراب، عند مبادرة ترامب الايرانية، خصوصاً انها جاءت في الوقت الذي بلغ التصعيد ذروته بين واشنطن وطهران، وهو كان بدأ إثر انسحاب الولايات المتحدة الاميركية من الاتفاق النووي الموقع بين ايران ومجموعة الدول الست.
وفيما لم يعرف ما اذا كان ترامب أحاط هذه الدول الخليجية الحليفة لواشنطن او الصديقة لها بمبادرته هذه مسبقاً نظراً للأزمة الكبيرة، وربما الحروب المباشرة وغير المباشرة القائمة بينها وبين ايران منذ عشرات السنين، فإنّ هذه الدول، وحسب مطّلعين على موقفها، تترقب كيف ستتطور الاوضاع على الجبهة الايرانية ـ الاميركية في ضوء المبادرة، ثم تبني على الشيء مقتضاه حول مستقبل العلاقة بينها وبين ايران. و في هذا الصدد، لفت الانتباه عودة سلطنة عمان الى الحراك على خط الوساطات والمساعي التي كثيراً ما عملت عليها لإنهاء الازمة بين دول الخليج وايران، اذ أنّ وزير الخارجية العماني يوسف بن علوي زار واشنطن لأسبوع ما ولّد انطباعاً انّ مبادرة ترامب لم تكن مجانية وانما استندت الى معطيات يفترض انها تؤسس لحل للأزمة الاميركية ـ الايرانية، خصوصاً انّ الردود الايرانية على ترامب لم تقفل الابواب امام احتمال حصول حوار ومفاوضات بين الجانبين لتسوية الازمة بينهما.
ويقول هؤلاء المطلعون، انّ دول الخليج يهمّها ان ينتهي اي حوار اميركي او غير اميركي مع ايران الى «إنهاء التدخل الايراني في شؤون الدول العربية عموماً وشؤون دول الخليج العربي خصوصاً، فهذه الدول وعلى رأسها المملكة العربية السعودية لا تريد تدمير ايران ولا تغيير النظام فيها، بل تريد منها ان تتوقف عن التدخل في شؤون الدول العربية وكذلك عن التحريض الطائفي والمذهبي الذي يقول الخليجيون انهم لم يعرفوه الّا بعد تزايد التدخل الايراني في الشؤون الداخلية للدول العربية، فإذا توقفت ايران عن هذ التدخل وعن إلحاق الأذى بجيرانها، فإنّ دول الخليج سترحّب بها دولة جارة وصديقة تلتزم سياسة ومبادئ حسن الجوار المعمول بها بين الدول».
على انّ الخليجيين يذهبون الى اتهام إيران بـ»التدخل في الشؤون العربية واستغلال الطائفة الشيعية في غير بلد عربي بغية إحداث شرخ بين الشيعة ومجتمعاتهم في هذه الدولة او تلك، عبر إذكاء الطائفية المذهبية وإشعار الشيعة العرب بأنهم قاطنون في بحر سنّي يمكن ان يغرقوا فيه في اي لحظة، في حين انه منذ ظهور المذهب الشيعي والعرب الشيعة يعيشون مع اخوانهم من اهل السنة يجمعهم التاريخ المشترك والدين الواحد واللغة الواحدة والمستقبل الواحد والمصير الواحد، فكيف يمكن لدولة مثل ايران ان تحمي الشيعة العرب من اخوانهم فيما هي تعامل الشيعة العرب في ايران بكل فوقية وعنصرية؟». ويضيف هؤلاء: «مَن ينظر الى الصلات الوثيقة الاجتماعية التي تربط بين الشيعة والسنة في الدول العربية، فضلاً عن الاندماج الاجتماعي السائد بينهم يدرك أنهم شركاء في بناء اوطانهم ولا يمكن احد منهم ان يعوّل على ايران او غيرها لتعزيز دوره في وطنه».
وفي المقابل، فإنّ حلفاء ايران والموالون لها يرون ان «في ظلال مبادرة ترامب حيال ايران، هناك مواجهة تخوضها واشنطن مع حلفائها الاقليميين لتقويض الدولة الايرانية ونفوذها في المنطقة، وذلك عبر التلويح والتهديد بالخيارات العسكرية، وكذلك عبر الضغط على الوضع الداخلي الايراني وتحريك قوى ضد النظام من مثل بعض القوى في بلوتشان وجماعة «مجاهدي خلق» التي تقودها مريم رجوي وغيرها، الى فرض مزيد من العقوبات والضغط على الاوضاع الاقتصادية والمالية الايرانية، ناهيك عن ساحة المواجهة المفتوحة بين الجانبين مباشرة او مداورة في اليمن وغيرها من الساحات الاقليمية الملتهبة».
ويرى فريق من السياسيين انّ المنطقة هي الآن في ذروة لعبة عض الاصابع تقودها الولايات المتحدة الاميركية لم يتّضح بعد من سيصرخ فيها اولاً، وما يقلق دول المنطقة عموماً هو طبيعة السياسة الاميركية البراغماتية التي لا أحلاف مقدسة لديها، وإنما المصالح، فواشنطن تذهب غالباً الى حيث مصالحها متجاوزة مصالح الآخرين، وحتى ولو كانوا حلفاءها. وفي هذا السياق يظن البعض انّ ترامب ذاهب الى إبرام «صفقة» مع ايران على غرار صفقته مع كوريا الشمالية...
أحد السياسيين المخضرمين يعلّق على ما يجري الآن بين الاميركيين والايرانيين، فيقول: «اذا أردنا ان نعرف ماذا يجري بين واشنطن وطهران، علينا ان نعرف ماذا يجري بينهما وبين عُمَان».