على وقع السجال الداخلي حول العلاقات اللبنانية السورية، توضع علامات الإستفهام حول ما تطرحه بعض القوى السياسية بالنسبة إلى رفض "التنسيق" مع دمشق أو "التطبيع" معها، لا سيّما في ظل المعاهدات الموقّعة بين الجانبين، التي لا تزال قائمة حتى اليوم، وهي تفرض على الدولتين، بحسب المادة الأولى من معاهدة "الأخوّة والتعاون والتنسيق"، العمل على تحقيق أعلى درجات التعاون والتنسيق بينهما في جميع المجالات السياسيّة والإقتصاديّة والأمنيّة والثقافيّة وغيرها بما يحقق مصلحة البلدين في إطار سيادة وإستقلال كل منهما"...
بالإضافة إلى ذلك، هناك مجلس أعلى بين البلدين، يتشكل من رئيس الجمهورية، في كل من الدولتين المتعاقدتين، وكل من رؤساء مجلس النواب والحكومة ونائب رئيس الحكومة، بالإضافة إلى العديد من اللجان الأخرى التي تضم المسؤولين في الدولتين، أي أن رئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري، الذي أعلن رفضه "التنسيق" مع دمشق، هو عضو في هذا المجلس.
إنطلاقاً من هذا الواقع، يسخر وزير خارجية لبناني سابق، عبر "النشرة"، من بعض المواقف التي تخرج عن أفرقاء محليين، ويشير إلى أنها في غير مكانها طالما أن الإتفاقات بين البلدين قائمة، وكذلك الأمر بالنسبة إلى العلاقات الدبلوماسية، ويضعها في إطار "العنجهية" السياسية لدى البعض، في حين أن المصالح اللبنانية تفرض هذا التنسيق، لا سيما مع قرب إنتهاء الحرب في سوريا.
ويشير هذا الوزير السابق إلى أن المصطلح الدقيق، الذي من المفترض أن يستخدم من قبل المعارضين، هو "تعزيز" العلاقات، نظراً إلى أن ليس هناك من قطيعة بين الدولتين، والدليل وجود سفير لبناني في دمشق وآخر سوري في بيروت، وهنا يكون السؤال المنطقي: "هل هناك مصلحة لبنانية في تعزيز هذه العلاقات أم لا"؟، ليجيب: "في الواقع الحالي هناك ضرر على المصالح اللبنانية، سواء كان ذلك بسبب أزمة النازحين أو من إمكانية ضياع فرص إقتصادية مهمة، وبالتالي يصبح التعزيز أمرا ضرورياً بغض النظر عن المواقف الشخصية".
في هذا السياق، تؤكد مصادر سياسية لبنانية، عبر "النشرة"، أن العلاقات بين البلدين لا تزال قائمة بموافقة جميع الأفرقاء الأساسيين، نظراً إلى أن السفير اللبناني الحالي في دمشق، سعد زخيا، عُيّن بقرار من حكومة تصريف الأعمال الحالية، التي يرأسها رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري ويتواجد فيها كل من حزب "القوات اللبنانية" و"الحزب التقدمي الإشتراكي".
على صعيد متّصل، تشير المصادر نفسها إلى المهمات التي يُكلف بها المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم مباشرة من رئاسة الجمهورية، سواء في عهد الرئيس السابق ميشال سليمان أو في عهد الرئيس الحالي ميشال عون، بالتزامن مع الزيارات التي يقوم بها بعض الوزراء إلى دمشق، بغض النظر عما إذا كانت بموافقة مجلس الوزراء أو من دونها، فهؤلاء لا يجتمعون مع نظرائهم السوريين إنطلاقاً من صفتهم الشخصية، بل بوصفهم مسؤولون في الدولة اللبنانية.
وتوضح هذه المصادر أنه من الناحية الرسميّة لا يمكن الحديث عن إعادة العلاقات بين الدولتين، التي لم تنقطع يوماً، والدليل هو برقيّة التعزية التي أرسلها رئيس الجمهورية إلى نظيره السوري بشار الأسد، إثر المجزرة التي إرتكبها تنظيم "داعش" الإرهابي في محافظة السويداء قبل أيام، لكن في المقابل هناك مواقف معادية لدمشق من قبل بعض الأفرقاء، لا يمكن أن يعتبر أنه موقف الدولة الرسمي بأي شكل من الأشكال، وتضيف: "موقف هؤلاء يعود إلى إرتباطهم مع قوى إقليمية على قطيعة مع الدولة السوريّة، وهم اليوم لديهم مخاوف من خسارة المشروع الذي ينتمون إليه، بعد أن كان رهانهم على سقوط دمشق في بداية الحرب، وبالتالي هؤلاء يسألون عن تداعيات هذه الخسارة على واقعهم السياسي في المرحلة المقبلة".
في المحصّلة، تشدّد هذه المصادر على أن المصلحة اللبنانية تكمن بما يطرحه رئيس الجمهوريّة، الذي يتولّى دستورياً المفاوضة في عقد المعاهدات الدولية وإبرامها بالإتفاق مع رئيس الحكومة، سواء بالنسبة إلى إعادة النازحين السوريين إلى بلادهم، أو بالنسبة إلى إستفادة لبنان إقتصادياً من فرص إعادة الإعمار وإعادة فتح المعابر الدولية التي تربط سوريا مع كل من الأردن والعراق وتركيا.