أخطأ القيّمون على عجائب الدنيا حين اخذوا يبحثون في الآونة الاخيرة عن أعجوبة جديدة تضاف الى عجائب الدنيا السبع، فهم بحثوا في دول ومناطق عن معالم جغرافية فقط، فيما كان يمكن ان يصلوا الى النتيجة بشكل اسرع عبر البحث عن مواضيع وملفات، وبالتحديد في لبنان.
في الواقع، تصلح الكثير من الامور ان تكون الاعجوبة الثامنة، ولكن مشكلة الكهرباء لا شك انها ستتصدر هذه الملفات، فهي "الداء والدواء"، لانها الداء للبنانيين الذين حرموا منها واضطروا الى الارتهان الى حلول بديلة تسحب اموالهم من جيوبهم بشكل مباشر، وهي الدواء لانه لا غنى عنها وتحوّلت الى منجم من الذهب بالنسبة الى البعض الذين عرفوا كيفية استغلال الواقع اللبناني الفريد لبناء امبراطورية متنامية الاطراف على المساحة اللبنانية باتت تُعرف بـ"امبراطورية اصحاب المولدات". ومع كل العجز الذي تتسبب به الكهرباء للدولة، والمشاكل التي تثيرها كل فترة، فهي تبقى "مرغوبة" ويتصارع عليها الجميع بهدف عدم احيائها.
بات معلوماً ان الدولة اصبحت اعجز من ان تتصدّى لاصحاب المولدات، وها هي اليوم تدخل في صراع معهم عبر شقّين: الاول محاولة تأمين الكهرباء دون الاعتماد عليهم، والثاني الزامهم بتركيب عدّادات للمشتركين للحدّ من "تسلّط" بعضهم على المواطن. الحقيقة المرّة ان تبنّي الدولة الامر الثاني، انما يعني في احسن الاحوال، انها تعترف ضمناً بأن تأمين الكهرباء الى المواطن انما هو حلم لن يتحقق في المدى المنظور، رغم كل الخطط الموضوعة والتمويل المرصود لها من الداخل والخارج، اي ان خمس سنوات او عشر سنوات لن تكون كافية لتحقيق الهدف المنشود. في غضون ذلك، ووفق التجربة المريرة، يرى اللبناني ان الوعود بانشاء معامل وتأمين الكهرباء عبر المياه وغيرها مجرّد مشاريع جميلة لن تتحقق، ليس لانها من المستعصيات، بل بسبب تدخلات الاطراف السياسية التي ستضمن عدم تحويل الافكار الى واقع، ما لم يتم ضمان مصالحها لسنوات كثيرة في المستقبل. وما يزيد من صعوبة الوضع، هو ما يتم التداول به لجهة العروض الاوروبيّة والصينيّة والايرانيّة، وكلها تكفل وصول الكهرباء الى المواطن بشكل مباشر من الدولة مع كل ما يعنيه ذلك من ثبات في قوة الكهرباء وتوفير اموال كبيرة للخزينة، وسدّ العجز المتراكم منذ عقود من الزمن، شرط ان يتم تحسين الجباية وهو امر يمكن تحقيقه ببعض العزم، اذا توفر.
اصحاب المولدات من جهتهم، سيقومون بما عليهم، وهم بارعون في الوصول الى اهدافهم بشتى الوسائل، بعد ان اتقنوا سياسة الترغيب، فهم روّجوا لفكرة "الوجه الحسن" من خلال تبرّع غالبيتهم في تأمين الاتفّاق مع البلديات ورؤسائها على تأمين الانارة للطرقات عبر مولداتهم، ولكن أحداً لا يعرف الثمن الذي تم دفعه من اجل هذا "الانجاز" إنْ من خلال المال، أم من خلال "غض النظر" او ربما عبر "تسهيلات" يحصلون عليها.
اليوم، ينتفض اصحاب المولّدات على فكرة لا يجب ان ترضي اللبناني بشكل عام لانها سيّئة ولكنها تبقى افضل من الاسوأ، وهي تركيب العدّادات، وهم سيحاربونها بطريقة او بأخرى، وربما يمتثلون لها في النهاية اذا ما قدّر لهم ذلك، ولكن يبقى الشكّ في مدى اعتماد الشفافيّة وعدم ايجاد وسيلة للتلاعب كما يحصل حالياً.
باختصار، ستبقى الكهرباء بالنسبة الى اللبنانيين اعجوبة العالم الثامنة، ولكن بمفهوم عكسي، كونهم قطعوا الامل في البقاء معها بشكل دائم، واعتادوا ان تجالسهم لساعات فقط، لتبسط شبيهتها المنبثقة من المولدات سيطرتها، وتفرض نفسها ضرورة لا بد منها بسعر عالٍ فيرتاح المنضمون الى "الامبراطورية" ويبقى المواطن أسيراً عندهم الى ما شاء الله.