أكد البطريرك يوسف العبسي خلال احتفاله بصلاة الباركليسي في كاتدرائية سيدة النجاة في زحلة "أنني أشكر سيادة المطران عصام يوحنا راعي الأبرشية الجزيل الإحترام على الكلمة الترحيبية الكنسية التي أورد فيها ومضات من تاريخ وواقع وتطلعات كنيستنا، وأضم صوتي الى صوته. أشكره على استضافة المجلس الأعلى لكنيستنا في لبنان وعلى دعوته لنا للإشتراك في هذه الصلاة وفي العشاء الرعوي السنوي الذين يجمعان أبناء ابرشيته من حوله في عيد السيدة العذراء شفيعتهم. أشكر سيادته على السنوات السبع السمان التي بذلها في خدمة الأبرشية على مختلف الأصعدة منذ ان تسلّم زمامها في عيد شفيعتها في مثل هذه الأيام".
ولفت المطران عبسي الى أن "التئام المجلس الأعلى لكنيستنا في زحلة اليوم هو البدء بالسير في طريق رسمناه للإجتماع في المناطق اللبنانية المختلفة لكي نعبّر عن قربنا من ابنائنا كلهم حيثما كانوا، وعن عنايتنا بهم وعن حملنا لهمومهم وشجونهم وعن مشاركتنا في تطلعاتهم ومتطلباتهم بحيث نكون في لبنان كله ويكون لبنان كله في قلوبنا. وقد أردنا ان تكون البداية هنا من زحلة لما تعنيه هذه المدينة لنا نحن الروم الملكيين الكاثوليك، ولما لها في وجداننا وفي تاريخنا من حضور سواء على مستوى كنيستنا أم على مستوى لبنان وما ابعد من لبنان حتى بلاد الإنتشار. وكيف لا ولزحلة في المجلس الأعلى منذ نشأته الى اليوم نصيب كبير من الأعضاء الذين لحضورهم ومشاركتهم اثر كبير وفعال، واسمحوا لي ان اذكر في هذه الصلاة أمين السر الحالي السيد المدير العام لويس لحود، واذكر ايضا ًالذين انتقلوا الى الأخدار السماوية ولا سيما المرحوم السيد الياس سكاف الذي تولّى نيابة الرئاسة سنوات وسنوات وكان عطاؤه وعمله مميزين، وكذلك المرحومين فؤاد الترك ونقولا الخوري".
وأشار الى "اننا نحن اليوم في زحلة عاصمة الكثلكة. والعاصمة هي المدينة التي تلتف حولهاوتتعلق بها سائر المدن وتجعل منها رمز وحدتها. نحن اليوم كما في كل يوم عيوننا تتطلع الى زحلة عاصمة الكثلكة وقلوبنا تحن اليها، رائين فيها المدينة التي تجمع وتحتضن جميع ابنائها، المدينة النموذج التي بموقعها الجغرافي والتاريخي والحضاري تعطي صورة عن كنيستنا التي هي فوق كل حدود، ايدويوليجية كانت هذه الحدود أم اثنية أم جغرافية، بل صورة جميلة عن الكنيسة الجامعة التي رآها يوحنا الرسول امام العرش الإلهي والحمل مجتمعة. " من كل امّة وكل قبيلة وكل شعب وكل لسان" ( رؤ 9:7 ). ذلك بأننا نعتقد بأن الذي يضع حدوداً او يرفع اسواراً لنفسه يأتي يوم لا مناصة يرى فيه أن هذه الحدود ما عادت تسعه وهذه الأسوار ما عادت تحميه وأن خطر التآكل والتلاشي صار على الأبواب. وما نقوله عن الداخل نقوله بالحري عن الخارج. نحن كنيسة مشرقية في اطار كنائس شقيقة يُغني تنوعها الجميع ويُظهر جمال الكنيسة الجامعة الواحدة في ابنائها المتنوعين. ونحن مسيحيون مشرقيون الى جانب اخوتنا المسلمين، شركاء متساوون بالمواطنة، متحابون ومتآزرون في الوطن الواحد الذي ننعم كلنا بالعيش فيه معاً."
وأشار البطريرك العبسي الى أنه "عما قريب، في الخامس عشر من هذا الشهر، تحتفل الكنيسة الجامعة بعيد انتقال السيدة العذراء الى السماء بالنفس والجسد. وقد جعلت كنيستنا لذلك من شهر آب شهراً للعذراء تتهيأ فيه لإستقبال العيد بصلاة ابتهالية تشفعية اسمها الباركليسي، اي التضرع، نحتفل بها في الأيام السابقة للعيد كما نحن فاعلون الآن، تتكلم صلوات العيد كثيراً عن الحياة. يقول نشيد العيد على الأخص مخاطباً السيدة العذراء " انك انتقلت الى الحياة بما انك ام الحياة" ويضيف القنداق قائلاً " بما انها ام الحياة نقلها الى الحياة". الحياة عطية من الله. الحياة ليست ملكاً للإنسان بل هي ملك لله ولا يحق للإنسان بالتالي ان يتصرف بها كما يشاء، لا بل عليه ان يحترمها ويحافظ عليها كما تقبلها من الله. وكل طريقة يستعملها الإنسان لوضع حد للحياة ايّاً تكن حالة الذي يحمل هذه الحياة (أكان ضعيفاً ام معتوهاً أم مشوهاً ام معوقاً) وفي اي مرحلة كانت هذه الحياة (منذ بدء الحمل الى اكتماله الى ما بعد الحمل) هي عمل قتل".
وأكد أن "قتل الحياة ليس فقط ان نضع لها حداً، بل كل عمل يشوه هذه الحياة هو عمل قتل: الفقر والحرمان من الغذاء والدواء واللباس والطبابة والسكن، والإستغلال والتشريد والقهر والذل، كل هذه هي انواع من القتل لأن الحياة لا تكون حياة الا اذا كانت تامة كاملة من جميع جوانبها وبجميع عناصرها، تطبعها الكرامة والحرية والسعادة"، مشيراً الى أن "هذا النوع من الحياة في نظرنا نحن المسيحيين، يحصل بمصادقة السيد المسيح، بالمحافظة على السيد المسيح، لأنه هو الحياة كما قال عن نفسه " انا الطريق والحق والحياة ". هكذا كانت السيدة العذراء فحافظت على يسوع، حافظت على الحياة. ورسالتنا بالتالي هي ان نشهد بأن يسوع الحياة هو الذي يعطي معنى لحياتنا، يعطي نكهة لحياتنا، بل هو نفسه معنى حياتنا ونكهتها. علينا ان نشهد بأن الحياة من دون يسوع هي ليست حياة حقيقية بل هي ظلّ او شبه حياة، هي حياة تقود الى الموت. "ان الحياة الأبدية هي ان يعرفوك" قال يسوع مخاطباً اباه. أجل حين نعرف الله تعالى، حين نعرف يسوع، عندئذ تصبح حياتنا حياة."