تواجه ايران اليوم وللمرة الاولى مشكلة مزمنة جرى التعتيم عليها وهي الفساد في عدد من قطاعات الجمهورية الاسلامية وبالتحديد في القطاع المصرفي، حيث سمح الامام الخامنئي للسلطات القضائية بالتحقيق وإنزال العقاب على من تثبت ادانتهم.
وتأتي هذه الخطوة في ظل العقوبات الجديدة التي فرضتها واشنطن على ايران، مع وجود مدرستين فكريتين حول تداعيات ما تقوم به الادارة الاميركية، بحسب مصادر دبلوماسية متابعة لهذا الملف.
ونقلت المصادر، عن اعتقاد المدرسة الأولى ان ايران في وضع افضل مما كانت عليه عندما تم فرض العقوبات الاميركيّة في الأصل. ففي ذلك الوقت كانت الجمهورية الاسلامية في أوج الولاية الكارثيّة لأحمدي نجاد، وكانت النخب السياسيّة لا تزال تشعر بالتأثيرات المتلاحقة للاضطرابات الكبيرة التي أثارتها إعادة انتخابه. وبحلول منتصف عام ٢٠١١، انقلبت المؤسسة السياسية برمتها ضده.
وتشير المصادر انه فضلا عن ذلك وعلى خلاف ما كان الوضع عليه في ذلك الوقت، لا يوجد حاليا اي حظر من قبل الاتحاد الاوروبي على النفط الايراني، وفي الواقع هناك حافز لابقاء القنوات الماليّة مفتوحة أمام ايران، وقد أظهرت بعض الدول قدرا اكبر من التسامح تجاه خطط التهرّب من العقوبات، حيث لن تجد واشنطن نفس مستوى التعاون الدولي بشأن تنفيذ العقوبات الّتي كانت سابقًا، وهو احتمال ربما لصالح طهران لان الحكومة الإيرانية اصبحت الان اكثر خبرة في التعامل مع تداعيات العقوبات الاقتصاديّة.
وتعتقد المصادر ان ايران استفادت ايضا من التغييرات في قطاع الطاقة والوضع الجغرافي السياسي في المنطقة، وعلى الصعيد الإقليمي اكتسبت المزيد من النفوذ في العراق، ودعمت بنجاح الرئيس السوري بشار الاسد في بلاده، واقامت تواجدا اكبر على طول الحدود مع اسرائيل، كما جرّت منافسيها الخليجيين الى الحرب مع الحوثيين في اليمن.
اما المدرسة الثانية، ترى بحسب المصادر نفسها ان هذه العقوبات جاءت في وقت ترزح ايران تحت ضعف اقتصادي ضخم يترافق مع انهيار حادّ ودراماتيكي لعملتها "التومان" والتي لم تكن في وضع أحسن حتى قبل انسحاب الرئيس الأميركي دونالد ترامب من خطة العمل الشاملة المشتركة، في الوقت الذي تشهد فيه التجارة العالمية وخطابات الاعتماد بالدولار الاميركي ارتفاعا اكثر مما كانت عليه عام ٢٠١١، وبالرغم من ان الشركات الروسية والصينيّة قد تحاول الدخول على الخط للاستفادة من الفراغ الذي تركته او ستخلّفه الشركات الأوروبيّة العالميّة الّتي تتعرّض للضغوط وبدأت تغادر ايران.
اما على الصعيد الداخلي ترى المصادر ان طهران تشهد مستويات من التشاؤم العام أعمق بكثير مما كانت عليه في العام ٢٠١١، فالإيرانيون يمرون بأزمات. وفي الوقت الذي تشهد فيه بلادهم ارتفاع في معدلات البطالة، أظهرت الحكومة عجزها وعدم قدرتها على متابعة الإصلاحات التي كان من شأنها ان تسمح لها بالاستفادة من خطة العمل الشاملة المشتركة، واساءت التعامل مع مختلف الأزمات الاخيرة.
وخلصت المصادر الى القول ان الحكومة الحالية يجب عليها العمل لإدارة الازمات المتراكمة والمتلاحقة بجديّة اكبر، اذا كانت حريصة فعليًّا على عدم حصول المزيد من الاضطرابات وألا تنتهي التحقيقات في الفساد المالي الى سلة المهملات كما هو الحال في عدد من دول العالم الثالث.