تطرح قضية الإحالات القضائية بحق المؤسسات المرئية والمسموعة والمكتوبة إشكالية العلاقة بين القضاء والإعلام. فبحق المؤسسات المرئية وحدها ما يزيد على 60 إحالة إلى محكمة المطبوعات.
في معالجة ملف الإحالات كان هناك سلسلة من اللقاءات. بحيث أن وزير الإعلام ملحم الرياشي بنى موقفه على ضوء مذكرة للمجلس الوطني للاعلام لفتت النظر إلى أن هيئة الإشراف على الإنتخابات في هذه الإحالات القضائية، لم تميِّز في أحيان كثيرة بين ما هو إعلام انتخابي وما هو إعلان انتخابي، كما أنها لم تبلغ المؤسسات المرئية والمسموعة بالمعايير، التي تميز بين الإعلام الإنتخابي والإعلان الإنتخابي في الفترة التي حددها القانون الإنتخابي استنادا للمادة /72/ في الفقرة السابعة منها. كما أنه اختلط الأمر على هيئة الإشراف على الإنتخابات تفسير مرحلة الصمت الإنتخابي، حيث لا يمكن اعتبار كل معلومة انتخابية أنها في مثابة إعلان انتخابي تستر عملا إعلانيا. ذلك أن قانون المرئي والمسموع رقم 382/94 يعتبر أن الحق الطبيعي للمواطن هو الإعلام والإستعلام، أي الحصول على المعلومة حتى ولو كانت انتخابية.
من نقاط الضعف الأساسية التي يأخذها الإعلام المرئي والمسموع والمكتوب على هيئة الإشراف على الإنتخابات أنها أحالت على محكمة المطبوعات ما يزيد على ستين مخالفة إعلاميّة، فيما غاب عنها رصد مخالفات الانفاق الإنتخابي، حيث حصر القانون الانفاق بـ150 مليون ليرة للمرشح، علما بأن ’’رائحة‘‘ الرشاوى والمبالغ تجاوزت أحيانا ملايين الدولارات، وضجت وسائل الاعلام على اختلافها بكشفها، وأشاحت هيئة الإشراف عن إدراجها كمخالفات، باعتبار أنها لا تمتلك وسائل التحقق منها ولم يضع القانون في يدها وسائل التحقق هذه. لكن ما معنى أن يتحرك الإدعاء العام بحق المؤسسات الإعلامية ولا يعتبر ما نشرته وسائل الإعلام إخبارا بشأن الرشاوى والإنفاق الإنتخابي!؟. لا يمكن تفسير هذا الأمر إلا بالإستنساب الذي ذهبت إليه أيضا هيئة الإشراف على الإنتخابات، عندما اعترفت على لسان رئيسها القاضي نديم عبد الملك بأنها شطبت أكثر من 50 مخالفة إعلاميّة. فالذي يستنسب في الشطب كان في إمكانه حصر الإحالات بعدد محدود.
في الجلسة الأولى مع وزير العدل القاضي سليم جريصاتي والتي ضمّتني مع نقيبي الصحافة والمحررين وممثلي المؤسسات المرئية والمسموعة، كان سباقا إلى ايجاد مخرجين ايجابيين لملف الإحالات القضائية، تمثلا، إما بالتحكيم على أن يكون المحكِّـم هو وزير العدل أو بالمصالحة. ووافق المجتمعون بالإجماع على أن يكون الوزير الدكتور سليم جريصاتي هو ’’المحكِّـم العادل‘‘... ولكن في الجلستين مع المدّعي العام التمييزي القاضي سمير حمود ومع رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي جان فهد لمس المجتمعون على أن الإثنين يقطعان الطريق على المخرج الذي وفره الدكتور جريصاتي بلغة دبلوماسية، وبالدفع باتجاه الدفوع القضائيّة باعتبار أن القضاء وضع يده على الإحالات، وتمّ تحريك الإدعاء العام، علما بأنه في موضوع الإحالات الإعلامية ما كان ينبغي على هيئة الإشراف على الإنتخابات إبلاغ المدّعين العامين الإستئنافيين، وإنما إبلاغ محكمة المطبوعات، ذلك أن القانون الإنتخابي يحصر إبلاغ الإدعاء العام بالمخالفات الماليّة للمرشحين.
لا شك أن هناك تنسيقا مسبقا كان بين رئيس مجلس القضاء الأعلى والمدعي العام التمييزي ورئيس هيئة الإشراف على الإنتخابات... وبالطبع فإن هذا التنسيق تكشف في اللقاء الذي حصل بين وزير العدل ورئيس هيئة الإشراف على الإنتخابات، بحيث أن القاضي جريصاتي في اجتماعنا الأخير معه حاول التوفيق بين مواقف متعارضة، بالأخذ في الإعتبار المصالح العليا اللبنانية استنادا إلى نظرية الحرص على ’’الوئام المجتمعي‘‘، بحيث يتم إيجاد المخارج أمام القضاء. وهنا كان موقف المجتمعين هو ’’الحل الإستباقي‘‘ لا الحل عبر الدفوع القضائيّة. وبهذا المعنى تبقى الأمور مفتوحة على كل الإحتمالات خصوصا وأن المجتمعين ينظرون إلى وزير العدل سليم جريصاتي بأنه ’’المحكِّم العادل‘‘ في البحث عن المخرج الإستباقي. هذا وستبقى الإجتماعات مفتوحة بين وزارة الإعلام والمجلس الوطني للاعلام ونقيبي الصحافة والمحررين والمؤسسات الإعلامية لمتابعة ’’المخرج الإستباقي‘‘.
أيا يكن الأمر، ثغرات كثيرة تعتري القانون الإنتخابي الذي زاوج بين الأكثري والنسبي بحيث أضاع حسنات ’’الأكثري‘‘ الذي يتيح المجال في التشطيب وتوسيع هامش الإختيار، كما أنه أضاع حسنات النسبي الذي يحصر التصويت ببرامج انتخابية حزبية، وليس على أساس تحالفات انتخابية عابرة. وأكثر من ذلك أتاح الصوت التفضيلي الفرصة لاقتحام رؤوس الأموال للبرلمان، وأقصى رجال القانون والمشرّعين العتاة.