لفت البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، في ذكرى مرور 250 سنة على وفاة المطران يوسف سمعان السّمعاني - حصرون، إلى أنّ "المثلّث الرحمة المطران يوسف سمعان السّمعاني شخصيّة تفوق العاديّين، فهو متفوّق بمواهبه العلميّة وبإدارة المكتبة الفاتيكانية وبخدمة الكرسي الرسولي، وبإعلاء شأن كنيستنا المارونيّة، وبمؤلّفاته"، مذكّرًا أنّ "السمعاني وُلد في حصرون العزيزة في 27 تموز 1687، وتربّى على التقوى والإيمان، بعناية عمّه المطران يوسف السّمعاني رئيس أساقفة طرابلس. وإذ وجد فيه النباهة وروح التقوى أرسله إلى روما وهو بعمر ثماني سنوات ليتنشّأ بالعلوم الكنسيّة في المعهد الماروني الّذي أنشأه البابا غريغوريوس الثالث عشر في 11 تموز 1584".
وأشار إلى أنّه "تفوّق في العلوم حتّى نال شهادة الدكتورا في الفلسفة واللّاهوت، وأتقن اللّغات العربية والسريانية والكلدانية والعبرية واليونانية واللاتينية والإيطالية. وعندما همّ بالرجوع إلى لبنان بعد تلك السّنوات الطوال، استبقاه في روما البابا كليمنضوس الحادي عشر، وكلّفه تأليف فهرس المخطوطات الشرقية الّتي أرسلها إلى المكتبة الفاتيكانية ابن عمّه المونسنيور الياس السّمعاني"، مبيّنًا أنّه "لبّى رغبة البابا بالشّكل الكامل، إذ وضع الفهرس وأغناه بالحواشي والشّروحات، حتّى عُيّن في سنة 1710، وهو بعمر 23 سنة مترجم اللّغات العربية والسريانية والكلدانية في المكتبة الفاتيكانية. وفي السنة نفسها عيّنه مستشارًا في المجمع الّذي أنشأه لإعادة النظر في الكتب الليتورجيّة الشرقية وتصحيحها".
وأوضح البطريرك الراعي أنّ "بعد خمس سنوات، أُرسل إلى الشرق للبحث عن مخطوطات قديمة. فجال في مصر وسوريا. وبفضل نسيبه البطريرك يعقوب بطرس عوّاد، تمكّن من جمع عدد كبير منها، ما مكّنه من تأليف كتابه الشهير: "المكتبة الشّرقية - الكليمنتيّة – الفاتيكانيّة Bibliothèque Orientale – Clémentine – Vaticane"، مبيّنًا أنّ "في سنة 1730، عيّنه البابا نفسه مديرًا ثانيًا للمكتبة الفاتيكانية، وبعد 3 سنوات أصبح المدير الوحيد. فامتدّت وظيفته على كلّ سني حياته، وكان محلّقًا في العمل والتنظيم والكتابة والنشر".
وركّز على أنّ "تكريمًا لخدمته، رفعه البابا كليمنضوس الثاني عشر سنة 1730 إلى رتبة مونسنيور، مع الحقّ باستعمال الشارات الحبريّة، وعيّنه بعد سبع سنوات أحد أحبار وكهنة بازيليك القديس بطرس القانونيّين. كما عيّنه مجمع نشر الإيمان مستشارًا لشؤون الكنائس الشّرقية، ولسبل المحافظة على الإيمان الكاثوليكي في الشّرق"، لافتًا إلى أنّ "فوق ذلك أسند إليه البابا في سنة 1739 مهمّة مقرّر في هيئات التوقيع الرّسولي. وقبلها عيّنه الملك شارل الرابع، ملك الصّقليّتين، ومن ثمّ ملك إسبانيا، مؤرّخًا لمملكة نابولي في سنة 1737، وأعلنه مواطنًا فيها في السنة التالية".
وأفاد الراعي بأنّ "البابا بندكتوس الرابع عشر كان يستشيره مرارًا وسمّاه مستشارًا في مجمع محكمة التفتيش الّتي أصبحت اليوم مجمع عقيدة الإيمان. وكان يقدّم في السّابق خدمات جلّى لهذه المحكمة. وعيّنه مقرّرًا في مجمع الكرادلة الّذي ثبّت فيه انتخاب البطريرك سمعان بطرس عوّاد في 26 تشرين الثاني 1742، والمجمع الثاني الّذي ثبّت فيه انتخاب البطريرك طوبيّا بطرس الخازن في 28 آذار 1757. وجاء البابا كليمنضوس الثالث عشر ليعيّنه سنة 1759 مؤرّخًا لوثائق مجمع التوبة، وبعد سنتين محاميًا للعدل فيه. ثمّ رقّاه في أوّل كانون الأوّل 1766 إلى الدرجة الأسقفية بلقب رئيس أساقفة صور شرفًا".
وأكّد أنّ "وجوده بهذه المكانة في حضرة البابوات الأربعة: كليمنضوس الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر وبندكتوس الرابع عشر الذين قدّروه وتعاونوا معه، وفي مجامع الكرسي الرّسولي والمكتبة الفاتيكانيّة، كان كافيًا ليُعلي شأن الكنيسة المارونيّة وجبل لبنان"، مشدّدًا على أنّ "الخدمة الأهمّ هي إعداد نصوص المجمع الماروني الشهير المعروف "بالمجمع اللبناني" الّذي انعقد في دير سيّدة اللّويزة سنة 1736، وكان فيه المونسنيور يوسف السمعاني مندوب البابا كليمنضوس الثاني عشر. وعُرف هذا المجمع حتّى يومنا بـ"دستور الكنيسة المارونيّة"، لكونه يتضمّن جميع جوانب الكنيسة المارونيّة وقطاعاتها بأقسامه الأربعة: الإيمان الكاثوليكي؛ الأسرار؛ البطريرك والأساقفة والكهنة والشمامسة؛ الكنائس والأديار والمدارس والأخويات. لقد كتبه باللّغتين العربيّة واللّاتينيّة ما مكّن البابا بندكتوس الرابع عشر من الموافقة عليه بصيغة خاصة سنة 1741".
وبيّن الراعي أنّ "الخدمة الثانية هي دوره في تثبيت قوانين رهبانية القديس أنطونيوس للسريان الموارنة اللبنانيين ورسومها من قبل البابا كليمنضوس الثاني عشر في كانون الأوّل سنة 1732. وكان المؤسّسون قد سمّوها "الرهبانية اللبنانية" نسبةً إلى جبل لبنان. هذه انقسمت إلى اثنتين سنة 1770: الرهبانية الحلبية اللبنانية (الرهبانية المارونية المريمية فيما بعد)، والرهبانية البلدية (اللبنانية المارونية فيما بعد)".
وكشف أنّ "المطران يوسف سمعان السّمعاني ألّف واحدًا وعشرين مؤلّفًا. أوّلهم "المكتبة الشرقية - الكليمنتية – الفاتيكانية، بأربعة أجزاء، مطبوع في روما بين سنة 1719 -1730 ويتضمّن فهرس المخطوطات السريانية والعربية واليونانية والكلدانية وسواها، وسيرة مؤلّفيها وتاريخ الكنائس الشرقية. من ثمّ أضاف عليها ثمانية أجزاء غير مطبوعة"، مشيرًا إلى أنّ "من بين مؤلّفاته "كلّ كتابات القديس افرام السّرياني"، مترجمة باليونانيّة واللاتينيّة، مع مقدّمات وفهارس، في ثلاثة أجزاء (1732-1747). ورسائل وشروح لقوانين ورسوم كلّ من رهبانيّة القديس أنطونيوس للموارنة اللبنانيّين (1735)، ورهبانيّة مار أشعيا الأنطونيّة (1741)، ورهبان مار باسيليوس للروم الملكيّين الكاثوليك (1758)، والراهبات الباسيليّات (1764). ومن بين مؤلفاته "مكتبة الحق القانوني والكنسي الشرقي" بخمسة أجزاء (1762-1763). ونجد عظتي تأبين: واحدة للبابا بندكتوس الثالث عشر ألقاها في بازيليك القديس بطرس (22 شباط 1732)، وواحدة لملك بولونيا Frédéric Auguste II ألقاها في بازيليك القديس كليمنضوس بروما (22 أيار 1733)، وخطاب في انتخاب الحبر الروماني ألقاه في بازيليك القديس بطرس".
وجزم الراعي، "أنّنا ندرك من كلّ هذا النّتاج الّذي أغنى به الكنيسة على مدى الأجيال، أنّ المطران يوسف سمعان السّمعاني رجل غير عادي، وبكلّ جدارة هو فخر الكنيسة المارونيّة ولبنان. إنّه يستحقّ هذا التّكريم في ذكرى وفاته المئتي والخمسين. فهنيئًا لحصرون بابنها، وشكرًا لكلّ الّذين نظّموا هذا الاحتفال، وآتانا الله بأمثال هذا الأسقف العظيم، وأحيا في الأجيال الطّالعة طموح السّير على خطى الآباء والأجداد العظام الّذين أنجبتهم حصرون وهذه المنطقة المطلّة على الوادي المقدّس، والمستنشقة أريج بخور القداسة والعلم".