تُدرك أنقرة التي لا تزال تحاول استيعاب انفجار الأزمة مع الولايات المتحدة الاميركية بوجهها، تماما أنها غير قادرة في المرحلة الراهنة على معاداة موسكو بعد أن خسرت حليفتها واشنطن، لذلك تراها جاهزة لتقديم أي تنازلات قد تُطلب منها بخصوص الملف السوري وبالتحديد ملف ادلب، ما انعكس فعليا على أرض الواقع، وسط معلومات عن امهال تركيا "هيئة تحرير الشام" التي تشكل "جبهة النصرة" عمودها الفقري حتى نهاية شهر آب الجاري لحل نفسها والانضمام الى "الجبهة الوطنية للتحرير" والتي تشكلت حديثا باندماج الفصائل العسكرية الرئيسية في الشمال السوري.
ولم يلبّ الرئيس التركي رجب الطيب أردوغان طوال الأشهر الماضية طلبا روسيا بوضع حد لـ"النصرة" في ادلب، بل بقي يستخدمها كورقة ضغط بوجه موسكو وطهران معا. الا أنه اليوم يجد نفسه محاصرا بعد الصفعة القوية التي وجهها له الرئيس الاميركي دونالد ترامب ما أدى لانهيار الليرة التركية، لذلك يسعى لكسب الرضى الروسي مهما كلّف الثمن، وحتى ولو كان رأس "النصرة". وقد أُبلغ قادة "تحرير الشام" بوجوب أن حلّ التنظيم خلال أيام أو أسبوعين كحد أقصى، وبحسب المعلومات هناك رأيين داخل "النصرة" الأول يشدد على وجوب الانصياع للأوامر التركية فيما الثاني يدعو للانقلاب على أنقرة مع ترجيح غلبة الرأي الأول.
وتعتبر مصادر عسكرية قياديّة في المعارضة في ادلب أن "ملف تنظيم "القاعدة" ملف دولي أكبر من ادلب وسوريا وبالتالي حسم مصير "النصرة" لن يكون عائد الينا انما للقوى الاقليمية والدولية مع ترجيحنا أن يتم في المرحلة الراهنة الضغط عليها للانحلال وضم العناصر السوريين الى "الجبهة الوطنية للتحرير".
وتستبعد المصادر أن يكون هناك مواجهة عسكرية شاملة قريبة في الشمال السوري، لافتة الى ان قوات النظام غير قادرة على الانخراط في عملية عسكرية برية نظرا لجغرافية المنطقة أضف للعدد الكبير من العناصر المجهزة للقتال. وتضيف: "النظام يسعى لسريان سيناريو درعا في ادلب من خلال العمل على اسقاط المنطقة بالدعاية والتخويف، لكننا واعون تماما لمخططه هذا".
وبالرغم من تأكيد مصادر قريبة من النظام في سوريا أن قرار "تحرير ادلب" قد اتخذ ويبقى التوقيت وشكل العملية، يشير رئيس مركز جسور للدراسات، محمد سرميني الى أن المباحثات الأخيرة بين تركيا وروسيا حسمت ملف محافظة إدلب ومحيطها (منطقة خفض التصعيد الرابعة) لصالح عدم شن عملية عسكرية شاملة فيها، على الأقل لفترة ستة أشهر مقبلة، "من دون أن ينفي ذلك حصول معارك محدودة النطاق، بحيث تترك روسيا المجال للنظام السوري وإيران للمناورة على الأرض بدعوى محاربة جبهة النصرة على اعتبار أنها خارج اتفاق خفض التصعيد، لكن هذه العمليات العسكرية لن يساندها سلاح الجو الروسي، وبناءً عليه فإن فاعليتها محدودة".
ويعتبر سرميني أن "الجبهة الوطنية للتحرير أظهرت عن مرونة كبيرة في التعامل مع تركيا، ولم تخفِ الدعم المقدم من قبلها سواءً اللوجستي أو الاستشاري، ما يساهم في ضبط سلاح الفصائل واستفادة تركيا منه في سد الثغرات أمام الضامنين الدوليين، أمام عدد مقاتلين يصل إلى حوالي 80 ألفاً باستثناء جبهة النصرة والتنظيمات الأخرى، والتي تتراوح أعدادها أيضاً بين 40 و50 ألفاً"، لافتا الى "حديث داخل الأوساط العسكرية في "الجبهة الوطنية للتحرير" عن قنوات اتصال فتحت مع هيئة تحرير الشام من أجل حل نفسها، لكن الأخيرة رفضت رسمياً أي حديث عن بهذا الاطار". وقال: "مستقبل الهيئة مرتبط بشكل وطبيعة العلاقة مع الجبهة الوطنية وهي أمام عدة خيارات في المرحلة المقبلة، إما الدخول بصراع عسكري مباشر أو الدخول بتفاهم بين الجبهة والهيئة يفضي إلى اندماج بينهما ضمن كيان جديد أو تشكيل غرفة عمليات مشتركة، وهذا السيناريو هو الذي تدفع باتجاهه تحرير الشام وتحاول إقناع الجبهة به، أو الدخول بهدنة بين الجبهة والهيئة تقضي بتأجيل الخلافات بينهما، على أن تقوم الهيئة بتقديم تعهدات حول تسوية ملف المقاتلين الأجانب ومحاربة التنظيمات الأخرى مثل حراس الدين وغيرها ذات البعد العالمي".
بالمحصّلة، يتحدد مصير ادلب بعد حسم "هيئة تحرير الشام" أمرها، علما انها في موقع لا تُحسد عليه، مع اضطرار أنقرة المترنّحة لتقديم أوراق اعتماد للاعب الروسي، وأول هذه الأوراق رأس الهيئة.