أكد البطريرك الماروني الكردينال مار بشارة بطرس الراعي في عظة بعنوان "ها منذ الآن تطوبني جميع الأجيال" خلال ترؤسه قداسا احتفالياً باطار مواصلة احتفاليات اليوبيل الـ250 لوفاة العلامة يوسف سمعان السمعاني، أنه "يسعدنا أن نحتفل معكم، يا أبناء حصرون الأعزاء، بعيد انتقال أمنا وسيدتنا مريم العذراء بنفسها وجسدها إلى مجد السماء"، لافتاص ال أنها "شفيعة بلدتكم العزيزة إلى جانب مار لابا والقديسة حنه والثلاثة كنائس تكرمونهم فيها، فضلا عن أماكن عبادة أخرى على إسم مار يعقوب المقطع ومار مخايل ومار توما، بالإضافة إلى القديسين الذين تكرمونهم في مذابح خاصة بهم في كنيسة السيدة هذه، منهم مار يوسف، ومار أنطونيوس البادواني، والقديسة تريز الطفل يسوع. كل هذه الكنائس والمعالم التقوية تدل على رسوخ الإيمان وحياة الصلاة في نفوسكم وفي عائلاتكم جيلا بعد جيل".
وأوضح لاراعي انه "بفضل هذا التراث المسيحي الماروني الأصيل، أنجبت بلدتكم بطريركين هما البطريرك يعقوب عواد، والبطريرك سمعان عواد، وثلاثة مطارنة، هم المطران يوسف سمعان السمعاني حافظ المكتبة الفاتيكانية، وعمه المطران يوسف السمعاني رئيس أساقفة طرابلس، والمطران أسطفان عواد السمعاني، وعددا غفيرا من الكهنة والرهبان والراهبات. كما أعطت وجوها معروفة، سياسية وثقافية وعلمية بمختلف الإختصاصات وهي تفتخر اليوم بأحد أبنائها، وهو عزيزنا النقيب جوزف إسحق، يدخل القبة البرلمانية نائبا"، مشيراً الى انه "كم أسعدنا قبل ظهر اليوم، بالندوة العلمية، في قاعة كنيسة القديسة حنه، التي كشفت شخصية العلامة المطران يوسف سمعان السمعاني حافظ المكتبة الفاتيكانية، في ذكرى مرور 250 سنة على وفاته، إنه مفخرة للكرسي الرسولي ولكنيستنا المارونية ولحصرون والمنطقة، بل وللبنان كله، بإحياء كل هذا التراث الحصروني الغني روحيا وثقافيا، كنسيا ومدنيا، نتذكر أن قيمة لبنان في ثقافة شعبه وتفوقه بالعلم والابتكار والروح الخلاق".
وتابع بالقول انه "لا يستطيع المسؤولون في الدولة عندنا إهمال قطاع التعليم والتربية بجناحيه الرسمي والخاص، وكلاهما للمنفعة العامة، كما لا يحق لهم إهمال المدرسة الرسمية في مبانيها ومساحاتها وإداراتها ومعلميها ومستواها، كما لا يحق لهم إرهاق أهالي التلامذة الذين يختارون المدرسة الخاصة لأولادهم بعدم مساعدتهم من خلال تحمل الدولة الزيادات التي تفرضها على الرواتب والأجور في المدرسة الخاصة، فتخفض عندئذ الأقساط المدرسية وتبقى في متناول شعبنا"، منوهاً الى انه "من جهة ثانية لا يحق للمسؤولين في الدولة السماح بتأسيس جامعات تنبت كالفطر، ومعيارها طائفي وسياسي وتجاري، مع غض النظر عن تدني المستوى الجامعي، وعن بيع الشهادات وشرائها".
كما لفت الراعي الى أن "ها منذ الآن تطوبني جميع الأجيال"، منذ ألفي سنة والشعب المسيحي يعظم الله مع مريم، ويقر بالعظائم التي أجراها فيها ويجريها في تاريخ البشر، هكذا فعل آباؤكم وأجدادكم من جيل إلى جيل، إذ كان حضورهم الفاعل معروفا في أزمنتهم، على الرغم من كل الصعوبات والاضطهادات والاعتداءات في مختلف العهود التي حكمت منطقتنا"، منوهاً الى أن "كنائسكم القديمة وبقايا أماكن العبادة خير دليل على ذلك. فبفضل ايمانهم ورجائهم، وبقوة صلاتهم، وباتكالهم على السيدة العذراء ومار لابا الرسول، صمدوا وترسخوا في هذا الجبل على مشارف الوادي المقدس، مستنشقين أريج بخور صلوات الحبساء والبطاركة والمطارنة وقداستهم إن الطوبى التي نعطيها لأمنا السماوية مريم، إنما هي تلك التي تصدر من قلوبنا المفعمة بالحب، ومن أعمالنا الصالحة، ونشاطاتنا البناءة؛ ومن مواقفنا والمبادرات الرامية إلى كل ما هو خير وحق وعدل".
وتابع بالقول ان "مريم نقلت بنفسها وجسدها إلى السماء، ساعة نياحها، لأنها كانت، طيلة حياتها، في حلوها ومرها، إمرأة الإيمان والرجاء والمحبة، بالإيمان قالت "نعم" يوم البشارة لإرادة الله ولتدبيره الخلاصي كإبنة، على لسان الملاك جبرائيل، وبالرجاء رافقت بثبات ابنها يسوع في رسالته الخلاصية على هدي أنوار الروح القدس وبالمحبة تحملت مع ابنها الإلهي الآلام والصلب، وقبلتها مثله ذبيحة حب لفداء الجنس البشري، وهكذا رسمت لنا الطريق في الحياة، المؤدي إلى كل حق وخير وجمال، فإلى الله.".
وشدد على "اننا نصلي كي يسلكه كل إنسان، وخصوصا المسؤولون عندنا في الدولة من أجل الخروج من الأزمات التي أوصلوا إليها البلاد والشعب والمؤسسات، بدءا من أزمة تأليف الحكومة، فالأزمة الاقتصادية - الاجتماعية، فأزمة تمزيق الوحدة الداخلية بسبب الولاء لهذه الدولة أو تلك، واستجرار النزاعات الجارية في المنطقة إلى الداخل اللبناني، وبسبب السعي من هذا الفريق وذاك إلى المصالح والمغانم الخاصة والنفوذ على حساب الدولة ومؤسساتها. وفي كل ذلك، الشعب هو الضحية، ولا سيما شبابنا الطالع إذ يرى آماله وطموحاته محطمة".
وختم الرعاي بالقول "لكننا في كل حال، نتطلع إلى أمنا وسيدتنا مريم العذراء، التي ترافقنا بعينها الساهرة من السماء، وهي رجاؤنا، ملتمسين من الله بشفاعتها أن يشعل في قلوبنا فضائل الإيمان والرجاء والمحبة، لكي نسير على الدرب الذي رسمته لنا في حياتها على الأرض، فنبلغ ميناء الخلاص والأمان، مسبحين الثالوث القدوس، الآب والإبن والروح القدس، الآن وإلى الأبد".