تعكس التطورات الجارية محليّاً وإقليمياً ودولياً وما يرافقها من حراك روسي في مختلف الاتجاهات، انّ روسيا تخشى حصول انفجار إقليمي يمتدّ من لبنان الى سوريا والعراق فإيران، وذلك على ضوء الأزمة المتفاقمة راهناً بين واشنطن وطهران نتيجة خروج الولايات المتحدة الأميركية من الاتفاق النووي الإيراني، وما تلاه من معاودة إدارة الرئيس دونالد ترامب فرض عقوبات سابقة على إيران مشفوعة بعقوبات جديدة.
على وقع تصاعد لغة التهديد والوعيد بين واشنطن وطهران، وتبخّر دعوة ترامب الإيرانيين الى حوار بلا شروط مسبقة، وكذلك تبخّر «الردّ الإيجابي» الإيراني عليها مشروطاً برفع العقوبات، فإنّ الأزمة بين الجانبين
تزداد تفاقماً، وما يزيد من تفاقمها أكثر، حسب مطّلعين عليها ومتتبّعين لفصولها، هو الدخول الإسرائيلي بقوّة على خطّها، حيث أن لدى إسرائيل خططاً كثيرة قديمة وجديدة لاستهداف إيران بضربة عسكرية بغية تدمير منشآتها النووية وبناها التحتية.
فضلاً عن الغارات الجوية والهجمات الصاروخية التي تشنّها إسرائيل من حين الى آخر على مواقع في الاراضي تقول انّها تابعة للحرس الثوري الإيراني و«حزب الله»، خصوصاً بعدما استعاد النظام وحلفاؤه السيطرة على الجنوب السوري، وعاد الى خطوط الفصل القائمة في الجولان حتى تتمركز قوّات «الأندوف» التابعة للأمم المتحدة.
وفي رأي هؤلاء انّ ما يدفع موسكو الى العمل لمنع حصول هذا الانفجار الاقليمي هو انّها لا تريد ان تتعرض لحراجة بعدم تمكّنها من الدفاع عن حليفتها إيران وحلفائها في حال شنّت الولايات المتحدة وحلفاؤها وإسرائيل حرباً عليها وعلى حلفائها في سوريا وحتى على الاراضي الإيرانية، ولذلك تعمل موسكو لمنع نشوب هذه الحرب على إقناع إيران وحلفائها بإبعاد صواريخهم عن إسرائيل في لبنان وسوريا مسافة مئة كيلومتر ، وهذا ما تطلبه إسرائيل وتلحّ عليه، وقد أثاره رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو مع كلّ من الرئيس الأميركي دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتين.
ويقول هؤلاء المطلعون انّ الرئيسين الاميركي والروسي «اتفقا» في قمّة هلسنكي، على الارجح، على موضوع إبعاد صواريخ إيران وحزب الله في سوريا ولبنان، وليس مستبعداً انّ تبلّغ موسكو وزير الخارجية جبران باسيل، الذي سيزورها خلال الساعات المقبلة هذا «الاتفاق الصاروخيّ» بينها وبين واشنطن.
على أنّ هذه المعطيات بمجملها تشكل، في رأي المطلعين، جزءاً من المعوّقات التي تقيّد حركة الرئيس سعد الحريري وتعوّق تأليف الحكومة، وقد تكون هي التي دفعته الى الوقوف على ما لدى موسكو من معطيات من خلال مستشاره للشؤون الروسية جورج شعبان الذي اجتمع أمس الأول بالممثل الخاص للرئيس الروسي ميخائيل بوغدانوف أمس فيما باسيل يحزم حقائبه للسفر الى العاصمة الروسية.
ولذلك، يجزم المطلعون بأنّ أسباب تأخُّر ولادة الحكومة داخلية وخارجية في آن معاً. فالأسباب الداخلية مردّها الى الخلاف المستحكم بين الافرقاء السياسيين حول احجام التمثيل وتوزيع الحقائب الوزارية، والذي يمنعهم من التوصل الى اتفاق على صيغة حكومة متوازنة ترضي الجميع.
أمّا الأسباب الخارجية فمردّها انعدام التوازن الخليجي ـ الايراني في ظلّ الشكوى الخليجية من تعاظم نفوذ ايران في المنطقة من لبنان الى سوريا والعراق واليمن وغيره. وفي هذا المجال يقول البعض انّه نتيجة انعدام هذا التوازن لا يستطيع الحريري تأليف حكومة تكون الكفّة فيها راجحة لمصلحة «حزب الله» وحلفائه، وفي المقابل لا يستطيع «الحزب» السير بحكومة تكون الكفّة فيها راجحة لمصلحة الحريري وحلفائه.
ويتبيّن من خلال كلّ هذه الاسباب انّ لبنان سيبقى بلا حكومة الى حين تبلور ما سيرسو عليه الكباش الدائر بين الولايات المتحدة الاميركية وايران وهو كباش مستمر على الاقل حتى تشرين المقبل، وكذلك الى حين اتّضاح مسار المعركة المنتظرة في ادلب التي باتت المعقل الاخير للتنظيمات المتطرفة المسلحة من جبهة النصرة وداعش وغيرهما من المسميات.
بل اكثر من ذلك، يقول المطلعون، أن لا أمل في ولادة الحكومة قبل ان يبدأ الكلام بين الكبار، من موسكو الى واشنطن والرياض وطهران ودمشق، وهذا الامر لا يبدو انه متوافر في المدى المنظور على الاقل.
وثمّة من يعتقد انّ تعثّر تأليف الحكومة بفعل الاسباب الداخلية والخارجية، هو ما دفع الرئيس المكلف الى إحداث نقلة في «لعبة الشطرنج» أدّت الى أخذ هذا الملف الحكومي الى مكان آخر، ووضعت ملف العلاقات اللبنانية ـ السورية على الطاولة، الامر الذي دفع البعض الى اعتبار الحريري وكأنّه «المعطل الوحيد» للتأليف الحكومي، مشيرين الى انّه كان تحدث اخيراً عن انّ اسباب التعطيل داخلية، وأن ليس هناك أي تدخّل خارجي في هذا الملف.