لفت البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، خلال رعايته وحضوره لقاء تحضيريًّا للسينودس من أجل الشبيبة "الإيمان وتمييز الدعوات"، الّذي اختار عنوانه البابا فرنسيس في 6 تشرين الأول 2016، ويعقد من 3 إلى 28 تشرين الأول المقبل في روما، ردًّا على سؤال حول موضوع الأقساط المدرسية والجامعية وثقلها على كاهل المواطنين وما يمكن أن تفعله الكنيسة أو المدراس أو الجامعات لخفض هذه الأقساط، إلى أنّ "الموضوع ليس في الكنيسة إنّما بالدولة. إنّ التعليم في لبنان كما في كلّ الدول، هو منفعة عامة"، مشيرًا إلى أنّ "هناك تعليمًا رسميًّا تُصرف عليه المبالغ الطائلة والتعليم الخاص الّذي لا تتعرّف عليه الدولة، وضحيّته هم الأهالي الّذين يدفعون الضرائب كي تساعدهم الدولة، وفي المقابل، يدفعون ضريبة أخرى هي للمدرسة والجامعة".
وركّز خلال اللقاء الّذي نظّمه مكتب راعوية الشبيبة في الدائرة البطريركية، والّذي عُقد في دار سيدة الجبل في فتقا، بمشاركة مطارنة وكهنة وراهبات وأكثر من 300 شابة وشاب من كلّ الأبرشيات والحركات الرسولية المارونية، إضافة إلى ممثّلين للنشء الإكليريكي والرهباني والشبيبة غير الملتزمة وشبيبة الكنائس الاخرى والشبيبة المسلمة، على أنّه "لا يمكننا أن نطالب بتخفيض أو رفع الأقساط، فهذه لها حساباتها وموجودة في المدراس وهناك لجان الأهل وهناك تدرس الموازنات. إنّه تعليم خاص له أقساطه"، موضحًا أنّ "مشكلتنا تكمن السنة في القانون الّذي صدر ورقمه 46، عن رفع سلسلة الرتب والرواتب بشكل كبير تكلّف المدراس الكاثوليكية وعددها 275 مدرسة وتضمّ 11 الف أستاذ، 120 مليون دولار"، سائلًا "على كاهل من ستقع هذه الزيادة؟ على كاهل الأهل طبعًا، وعليهم أن يدفعوا وإلّا لن تستطيع المدراس الاستمرار. المشكلة أنّ هناك مدراس سوف تقفل أبوابها رغمًا عنها إذا لم تساعدها الدولة".
وشدّد البطريرك الراعي على أنّه "لا يكفي أن تصدر الدولة القوانين، من سيدفع؟ المدرسة؟ المدرسة عبارة عن جدران، من سيدفع؟ إنّهم الأهل، والأهل صامتون"، منوّهًا إلى "أنّنا نقول للدولة، وهذا موقفنا، إنّ كلّ المدراس المسيحية والإسلامية في لبنان عقدت اجتماعين في بكركي، واتّفقت أن تتحمّل الملحق الرقم 17، على أن تتحمّل الدولة الدرجات الستة كي لا يحمّلوا الأهالي مزيدًا من الأقساط".
وكشف ردًّا على كلّ من يقول ماذا تفعل الكنيسة، أنّ "في العام الدراسي 2015- 2016 بلغت قيمة المساعدات السنوية للعائلات المعوزة 40 مليار ليرة، أمّا الحسومات لأولاد الهيئة التعليمية والموظفين بلغت 30 مليار"، لافتًا إلى أنّ "نسبة 30 بالمئة من الشعب تحت مستوى خط الفقر، ونحن ذاهبون باتجاه الأسوأ. مشكلتنا مع الدولة وليس مع المدرسة ولا مع الكنيسة. المشكلة مع الدولة الّتي تأكل المال بالفساد والسرقة والهدر، والشعب "معتر" لا يفتح فمه ولا يعرف من يطالب"، مسشهدًا بـ"قول لرئيس الحكومة الأسبق نجيب ميقاتي حينما قال إنّ "لبنان ليس بلدًا منكوبًا إنّما منهوبًا". نبّهنا مراراً إلى أنّنا ذاهبون إلى أزمة إجتماعية تربوية، سوف نخسر التعليم الخاص وقيمته وسوف تضعون الأساتذة في الشارع".
وعن موضوع البطالة، دعا الراعي الشباب اللبناني إلى "الإستفادة من فرص العمل الكثيرة الّتي تقدّمها الدولة من جيش وقوى أمن داخلي وأمن عام وأجهزة عسكرية، وتقدّم العديد من التسهيلات لهم. لماذا لا تستفيدون من هذه الفرص؟ هذا بلدكم وعليكم التضحية في سبيله والحفاظ على وجودكم. الشهداء استشهدوا في سبيلنا وعلينا أن نكون على هذا المستوى".
أمّا بموضوع الوجود المسيحي، فبيّن أنّ "علينا أوّلًا البقاء والعيش وإيجاد وظيفة لكي أحافظ على وجودي. لذلك استراتيجية الكنيسة في هذا الإطار تكمن في المحافظة على مؤسساتها على الرغم من كلّ شيء لكي تظلّ تعطي فرص العمل، والوجود والضمانة للشعب مع إمكان استثمار أراضيها"، مشيرًا إلى أنّ "هذا وطننا وأجدادنا ضحّوا في سبيله. إنّه كرامتنا وهويتنا وتاريخنا ومجدنا. أنا لست يتيمًا بل أنا ابن وطن له إسم ودور وقيمة ورسالة، كما أنّ لبنان بحكم تكوينه والعيش المنظّم المسيحي الإسلامي، جعلنا نبني عيشًا مشتركًا، ولبنان هو البلد الوحيد حيث يعيش المسيحي والمسلم بالمساواة أمام القانون وبالمشاركة في الحكم والإدارة".
وأكّد البطريرك أنّ "لبنان هو البلد الوحيد الّذي نظامه ديمقراطي، وفيه كلّ الحريات العامة بدءا من حرية الدين والضمير والمعتقد والأحزاب والتعبير. هل نقول نحن ولا سيما المسيحيين، انّ هذا الوطن ليس لنا؟ لدينا رسالة في هذا العالم العربي قال عنها البابا القديس يوحنا بولس الثاني، انّ لبنان أكثر من بلد صغير، إنّه حامل رسالة ونموذج".
وسأل "كيف نحارب الفساد؟ فيما كنّا نزور رئيس الجمهورية فتح موضوع الفساد، وقال "أنشأنا وزارة لمكافحته وهو مستشر في الدولة"، فقال أحد المطارنة للرئيس أعلنوا هذا المفسد، فأجاب "جميعهم مشارك في الفساد"، متسائلًا "هل هذا يعني أنّ الجميع متّفق على نهب الدولة؟ مع الأسف سألنا الوزير المسؤول عن الوزارة عمّا فعل، فأجاب انّه يحمل كلّ التقارير الّتي تشير إلى مكامن الفساد والهدر والسرقات إلى السلطات المعنية ولكن من دون نتيجة. لماذا؟ لأنّ الجميع داخل في مافيا سرقات، وشعبنا صامت و"معتر" ولا يعرف كيف يطالب ولا من يطالب. نحن نتحدث باسمكم وباسم الشعب. نحن مؤمنون ونصلي لكي يعطينا الله اشخاصا متجردين ولديهم كرامة وقيمة لوقف حبل الفساد في الدولة والمؤسسات".
كما دعا الراعي، الشباب إلى "قبول فرص العمل الّتي تقدّمها الدولة وعدم التشبّه بالسياسيين وأن يغيرّوا من الداخل ليس فقط على صعيد الفساد، إنّما أيضًا في مجرى وتفكير الدولة وسياستها". ورأى أنّ "هناك توجهين في العمق في الإسلام والمسيحية، يشكّلان هويّتهما الطبيعية، إذ انّ في المطلق هناك ميل عند المسيحي نحو العلمنة، أي فصل الدين عن الدولة، ويتجه نحو الغرب. أمّا المسلم في طبيعته لديه ميل نحو الأسلمة لأنّه لم يفصل بين الدين والدولة حتّى الآن"، منوّهًا إلى أنّ "في لبنان تمّ خلق الميثاق الوطني بين المسلمين والمسيحيين، وذلك بسبب خوف المسيحي من المسلم من أسلمة البلد، وخوف المسلم من أن يأخذ المسيحي البلد نحو العلمنة، فجرى فصل الدين عن الدولة، إنّما لم نفصل الدولة عن الله"، مبيّنًا أنّ "لذلك، المادة التاسعة من الدستور تقول إنّ لبنان بعد الإجلال لله يحترم كلّ الأديان ويقبل انظمتها الشخصية. ونتشارك مناصفة المراكز في ادارات الدولة".
وشدّد على أنّ "جمال لبنان هو في هذا العيش معًا، وكلّ قوّته بجناحيه، فلا المسيحي أو المسلم يضعف الآخر لأنّه بذلك يضعف بلدنا"، مركّزًا على أنّ "من يستغلّ الدين هم السياسيون، وهم لا يعيشون دينهم، إنّما يستغلّونه لمصالحهم السياسية، ويخلقون النعرات الطائفية". وتوجّه إلى الشباب بالقول: "نحن نحترم السياسيين والسلطة والرئيس والوزير، إنّما أدعوكم إلى ألّا تكونوا أدوات لأحد وتخلقوا العداوات مع شركائكم في الوطن، فهذا ما خرب وطننا".
وعن أزمة النازحين، شدّد البطريرك على "أنّنا نعيش معكم مأساتكم في سوريا ومعاناة الهجرة، ومن الناحية الإنسانية نحن متعاطفون معكم، إنّما هذا حقّكم وكرامتكم أن تعودوا إلى وطنكم"، موضحًا "أنّنا لا نقدّم لهم الخدمة حين ندعوهم إلى المجيء إلى لبنان أو إذا قلنا لهم إبقوا هنا، فنحن بذلك نكون نقتلهم مرتين. في الحرب الاولى جرى تهديم منازلهم، وفي الحرب الثانية هدمنا هويتهم وثقافتهم وحضارتهم"، مؤكّدًا أنّه "يهمّنا أن يعود السوريون، مسلمين ومسيحيين، فهناك بنوا حضارتهم وتاريخهم وثقافتهم. وأنا آسف للواقع الّذي أصبحت فيه سوريا. هناك سياسة لهدم الدول العربية من لبنان إلى العراق وسوريا وفلسطين، وهناك قرار بوجوب هدم العالم العربي وإضعافه لتعيش سيّدة هذا العالم وإسمها إسرائيل، وهذا الأمر يقتضي منّا فهم الوضع والقول إنّنا نريد أن نتحدّى وهذه أرضنا وهنا سنبقى".
وجزم أنّ "علينا أن نعرف كيف نفصل السياسات عن الحياة الإجتماعية وعدم خلط الأمور. إنّ السياسات تتغيّر ولها أسبابها وتطلّعاتها، لكن هناك شعب وحضارة وثقافة وتاريخ وعلينا التمييز وعدم خلط الأمور".
كما أشار من جهة ثانية، إلى أنّ "توحيد عيد الفصح مرتبط بالكنيسة الأرثوذكسية، إذ انها حتّى اليوم لم تتّفق بعد نظرًا لدخول عامل السياسة".