منذ انتهاء حرب تموز في صيف العام 2006 والتي الحقت بالجيش الإسرائيلي خسارة تاريخية على الأراضي اللبنانية، قد لا يمرّ أسبوع واحد من دون أن يسمع لبنان أو حزب الله تهديداً إسرائيلياً تارةً عبر قائد عسكري وتارةً أخرى على لسان رئيس حكومة أو وزير معني، كل ذلك من دون أن يترجم ولو تهديد واحد من هذه التهديدات عملياً على الأرض. وفي جديد هذه التهديدات ما نقلته صحيفة "معاريف" الاسرائيلية عن جنرال إسرائيلي بارز وفيه كلام عن إحتمال دخول قوات بلاده في حرب على الجبهة الشمالية "وان" على إسرائيل الاستعداد للحرب مع "حزب الله".
على رغم كل هذه التهديدات الصوتيّة، تحرص اسرائيل على التهدئة مع لبنان وأصبحت تحسب ألف حساب لأي حرب معه، كل ذلك بعد هزيمة تموز 2006 والدليل على ذلك، ما تكشفه المصادر المتابعة للإجتماعات العسكريّة الثلاثية التي تعقد في الناقورة بين الجانبين اللبناني والإسرائيلي برعاية قوات اليونيفيل. وهي تتمحور حول نقطتين خلافيتين: الأولى هي مسألة الجدار الإسمنتي التي بدأت إسرائيل ببنائه عند الحدود المقابلة مع لبنان، والثانية تتمثل بالخلاف الدائر على ملكية بلوك الغاز رقم ٩ في مياه البحر المتوسط.
وفي هذا السياق، تكشف مصادر مطّلعة على الإجتماعات العسكريّة الثلاثية التي تحصل في الجنوب بين ضباط لبنانيين وإسرائيليين وآخرين من قوات اليونيفيل، أن الضباط الإسرائليين وعلى رغم عدم تجاوبهم مع المطالب اللبنانية، يصرّون على الإلتزام بالتهدئة الحدوديّة مع لبنان ويكرّرون أن حكومتهم ليس لديها أي نية بإفتعال أي حرب جديدة معه، وهذا ما يعكس أيضاً التردد الإسرائيلي حيال أي تصعيد. وعن هذا التردد، يرى خبير عسكري أنه "بالإضافة الى حرب تموز ٢٠٠٦، فما يزيد من تردد إسرائيل حيال أي تصعيد مع لبنان، هو إسقاط طائرة الـF16 في سوريا خلال شهر شباط الفائت، كل ذلك إنطلاقاً من السؤال التالي الذي تردد في كواليس الجيش الاسرائيلي وطرحته صحف إسرائيلية: من يؤكد لإسرائيل أن حزب الله في لبنان لا يمتلك الصاروخ نفسه الذي أسقط الطائرة الاسرائيليّة فوق سوريا"؟.
"لكل ما تقدم"، يتابع الخبير العسكري "طلبت إسرائيل من روسيا التدخل مع سوريا لمنع وقوع أي تصعيد على الحدود الشماليّة، وأوفدت الولايات المتحدة الأميركية، وبطلب إسرائيلي أكيد، مساعد نائب وزير خارجيتها دايفيد ساترفيلد الى لبنان وقام بجولاته المكوكية على المسؤولين"، لكن كل هذه الجولات يضاف اليها أجواء التهدئة مع لبنان التي لا تنفك إسرائيل عن بثها ونشرها، تقول مصادر لبنانية رفيعة، "لن يمنعا وقوع المحظور، إذا بنت إسرائيل جدارها في أي نقطة من النقاط المتنازع عليها مع لبنان في رأس الناقورة وعلما الشعب ولا سيما العديسة، وهنا تتوقف المصادر اللبنانية عند بلدة العديسة لتخلص الى المعادلة التالية: إذا كانت إسرائيل حقاً لا تريد التصعيد مع لبنان، فلتعلن أنها لن تبني الجدار فيها، حيث لا يمكن أن يستكمل من دون المسّ بأكثر من نقطة حدودية متنازع عليها، ومنها ما هو محتل من قبل مستوطني مسكاف عام، وتحديداً عند التلة اللبنانية الإستراتيجية المعروفة بـ"تلة الطيارة".
في المحصلة، ما هو ثابت وأكيد هو أن إسرائيل اليوم ليست إسرائيل التي كنا نعرفها سابقاً، وبصورة أوضح، تثبت الوقائع أن تهديداتها ما بعد عام ٢٠٠٦ لم تعد كتهديداتها التي أطلقت سابقًا بل وكل ما يصدر عنها اليوم من تهديدات لا يعدو كونه قنابل صوتية لا أكثر ولا أقل.