ذكرت صحيفة "الأخبار" أن "مقاربة رئيس الجمهورية ميشال عون، لأزمة تأليف الحكومة تختلف عن الكثير مما يرافقها في أوساط الأفرقاء الآخرين المعنيين بدورهم. فهو ليس راضياً عن الجمود الذي يحوط بجهود التأليف والشروط المضادة المتبادلة، إلا أنه لا يرى الأبواب موصدة تماماً، ولا يبدو أنه في وارد الخلاف مع الرئيس المكلف سعد الحريري".
ونقلت الصحيفة عن رئيس الجمهورية تأكيده أن "المهلة ليست مفتوحة، وليس لأي أحد أن يضع البلاد برمتها رهينة عنده ويعطلها"، قائلا: "سأنتظر حتى الأول من أيلول فقط. بعد ذلك سنتكلم. نعم سنتكلم".
ولفتت "الأخبار" الى أن الرئيس عون "يرغب في إبصار الحكومة النور ومباشرتها أعمالها قبل ذهابه إلى نيويورك في النصف الثاني من أيلول، للمشاركة في أعمال الدورة السنوية للجمعية العمومية للأمم المتحدة، ويلقي كلمتين في افتتاح أعمالها وفي تكريم ذكرى الرئيس نيلسون مانديلا. ينتقل من بعدها إلى بلجيكا للتحدث أمام البرلمان الأوروبي"، مشيرة الى أن الرئيس يعتقد أن الملف الرئيسي الذي يتوخى حمله إلى هناك هو ملف النازحين السوريين، للمطالبة بعودتهم إلى بلادهم، مشددا على أن "هذا واجب من أجل استقرار لبنان. وجودهم اليوم هنا هو لجوء أمني بسبب الحرب الدائرة في بلادهم، بحيث يعودون عندما تنتفي أسباب اللجوء الأمني. وقد انتفت إلى حد بعيد. لكن ما هو حاصل الآن اجتياح سكاني وليس مجرد نزوح أو لجوء أمني. يقيمون في لبنان في شوادر، فليفعلوا ذلك على أراضيهم عندما تزول أسباب اللجوء الأمني".
وأوضحت أنه خلافاً لما تردّد أن الرئيس المكلف سلم إليه مسودتي حكومتين من 24 وزيراً و30 وزيراً، جزم رئيس الجمهورية تسلمه من الحريري مسودة واحدة هي توزيع الحصص على الأفرقاء المشاركين في الحكومة. بيد أنها ليست تشكيلة حكومية في أي حال. قال له الحريري: نتوافق الآن على الحصص، ثم نتوافق على التوزيع. جواب رئيس الجمهورية أنه معني بالتشكيلة الحكومية مكتملة، ما يقتضي بالرئيس المكلف الخوض في الحصص مع الأفرقاء المعنيين، ثم يعود إليه.
وبينت الصحيفة أن رئيس الجمهورية لمس شوائب في مسودة الحصص، إلا أنه لم يبدِ رأيه فيها. لم يرفضها كما لم يهز رأسه موافقاً، ولم يرَ الوقت مناسباً كي يدلي بدلوه، ونصح الحريري التحدث مع رئيس الكتلة النيابية الأكبر في البرلمان الوزير جبران باسيل كما مع سواه في شأنها. بذلك راوحت مسودة الحصص مكانها. ما يقوله عون إنه معني بإبداء موقفه من تشكيلة حكومية يقدمها إليه الرئيس المكلف كي يقرر توقيعها أو لا، إلا أنه ليس طرفاً في أي حال في مفاوضات التأليف.
وذكرت "الأخبار" أن الرئيس عون يتذمر من أن الأفرقاء يلجأون إليه للتشكي والمطالبة بحصصهم، ويتصرّفون كما لو أن قصر بعبدا حائط مبكى. وأشارت الى أن جوابه لهؤلاء أن يذهبوا إلى الرئيس المكلف ويتحدثوا إليه في ما يطلبونه لأنفسهم في الحكومة. جاءه حزب القوات اللبنانية يطلب أربع حقائب من بينها نيابة رئاسة الحكومة أو حقيبة سيادية. جوابه عن نيابة رئاسة الحكومة أنها في حصته هو، رئيس الجمهورية، نظراً إلى دلالتها الرمزية: "أما الحقيبة السيادية، فاذهبوا إلى الرئيس المكلف واطلبوها منه".
ولفتت الصحيفة الى أن رئيس الجمهورية جزم بأنه ليس شريكاً في مفاوضات تأليف الحكومة الذي ينيطه الدستور بالرئيس المكلف. هو بذلك يفصل تماماً بينه والحريري في مراحل التأليف، وإن يجمع بينهما توقيع مرسوم الحكومة الجديدة الذي يأتي في مرحلة لاحقة لتوافقهما على تشكيلة يقترحها الرئيس المكلف. وهذا ما لم يفعله بعد الحريري. لذا ينتظره عون. أكثر من مرة سأله: هل من عقبات كي أساهم في تذليلها؟ جواب الرئيس المكلف النفي. مشيرة الى أن إصرار الرئيس على المسؤولية الدستورية للرئيس المكلف في تأليف الحكومة لا يجعله يتردد في القول: "ليؤلف الحكومة التي يريدها هو. لكن ليؤلفها كي ننتهي".
وذكرت أن الرئيس عون يستغرب الخوض في موضوع العلاقات مع سوريا والبلاد في مرحلة تأليف حكومة لا صوغ بيان وزاري، متسائلا :"هل يصح أن نناقش البيان الوزاري قبل كتابته؟ نحن الآن في صدد الاتفاق على حكومة. البيان الوزاري مهمتها هي بعد صدور مرسومها. الأمر مرتبط بوزراء الحكومة وبمجلس النواب إذ تنال ثقته وفق بيانها الوزاري هذا. لا أفسّر استعجال التطرق إلى ملفات كهذه، سوريا أو سواها، إلا من قبيل تعمّد عرقلة التأليف وفرض شروط عليه"، معتبرا أن "استعجال إدخال المسألة السورية يخفي ذريعة التعطيل ويرمي إلى أبعد من الموضوع نفسه".
وحذر من أن "أكبر مشاكلنا في تأليف الحكومات أننا نسمع الخارج أكثر مما نصغي إلى الداخل. هذا الكلام يرد يومياً في الصحف، حتى ليكاد المواطن يعتقد أن في الأمر أوهاماً. لم يعد اللبنانيون يميّزون ما هو حقوق لهم لا يمكن أي أحد أن ينتزعها منهم، وعلينا الدفاع عنها. قبلنا في السابق بسياسة النأي بالنفس عن أحداث الشرق الأوسط وخصوصاً سوريا، حتى وجدنا أنفسنا ننأى بأنفسنا نحن عن الدفاع عن أرض الوطن. منعنا الجيش من محاربة الإرهابيين الذي بقوا على أراضينا سبع سنوات، يغيرون على الجيش والقرى، ويسقط لنا دائماً شهداء. لماذا لم نتدخّل في الوقت المناسب ونمنع عن أنفسنا ذلك الأذى الطويل الأمد؟ تركنا منطقة بكاملها تعيش في الخوف والرعب والتهديد".
واعتبر الرئيس عون "أننا اليوم في حيرة. لنا حق أكثر من طبيعي في المطالبة بإعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم بعد استقرار أحوالها. أفهم موقف الدول التي شنت الحرب على سوريا إذ ترفض حقنا في إعادة اللاجئين إليها، وقد يكون هذا الرفض في صلب مصالحها كي تتنكر لحقنا هذا. بسبب وجود اللاجئين السوريين هنا وقعنا في ضائقة اقتصادية ولا نزال. كذلك بسبب الحرب التي نزلت ببلادهم، وبسبب مفاعيلها وتداعياتها على أرضنا. الآن ثمة انفراج مع بدء فتح الطرق المغلقة، فهل يجوز أن لا نستعمل ممر نصيب لإمرار صادراتنا؟ أفهم أن تعارض دول متضررة هذا التدبير وتقف ضده، لكن يقتضي أن نفهم أولاً مَن هي الدول المتضررة حتى نصغي إليها. أيها اللبنانيون لا تنتحروا".