يطلق الكثير من اللبنانيين على شهر أيلول تسمية الـ"ميم"، بالنظر إلى أنه الشهر الذي يبحثون فيه عن تأمين المونة الشتوية والمازوت للتدفئة، بالإضافة إلى التحضير لموسم المدارس، مع ما يحمله ذلك من أعباء على المواطن، لكن قبل بداية عطلة عيد الأضحى خرجت بعض الأوساط، المقربة من رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، إلى تحديد الأول من الشهر المقبل كسقف زمني لتشكيل الحكومة.
حتى الساعة، لا شيء يوحي بقرب موعد الولادة الحكومية، في ظل الإشتباك القائم على مستوى حصة كل من حزب "القوات اللبنانية" و"الحزب التقدمي الإشتراكي"، ما يعني أن العقد المحلية لا تزال على حالها، في حال تجاهل ما يُحكى عن عقد خارجية، فماذا يملك رئيس الجمهورية لتحريك المياه الراكدة على هذا الصعيد؟.
حول هذا الموضوع، يوضح الخبير الدستوري عادل يمين، في حديث لـ"النشرة"، أن لدى رئيس الجمهورية العديد من الخيارات السياسية والدستورية التي قد تقود إلى سحب التكليف من رئيس الحكومة المكلف، في إطار السعي إلى إخراج البلاد من المأزق الحكومي الراهن، لافتاً إلى أن الرئيس يستطيع أن يتوجه برسالة متلفزة إلى اللبنانيين، بصفته رئيساً للدولة ورمزاً للوحدة الوطنية والمؤتمن على حماية الدستور، يعرض فيها مآل التشكيل والمآزق التي تعترضه والعراقيل التي واجهته والمسؤولين عنها، مشيراً إلى أن أثرها المعنوي يكون كبيراً.
الخطوة الثانية التي يمكن أن يقوم بها الرئيس، بحسب يمّين، هي توجيه رسالة إلى المجلس النيابي، عملاً بأحكام الفقرة 10 من المادة 53 من الدستور، فيتوجب على البرلمان الانعقاد خلال 3 أيام، بحسب ما ينص النظام الداخلي لمجلس النواب، لاتخاذ الموقف أو الإجراء اللازم، ويضيف: "هذا الاجراء قد يكون توصية من البرلمان إلى الرئيس يدعوه فيها إلى سحب التكليف من رئيس الحكومة المكلف، فيصدر بياناً رئاسياً بهذا الشأن يتضمّن الدعوة إلى إستشارات نيابية جديدة"، ويؤكد أن الحديث عن عدم وجود مهلة صريحة لرئيس الحكومة في الدستور، لا يعني أنها مفتوحة بل أن التأليف واجب فوراً دون إبطاء، وإستطراداً هناك ما هو معروف في الفقه بالمهلة المعقولة، "التي بتنا خارجها أو على مشارف نهايتها".
بالإضافة إلى ذلك، يشدّد يمين على أن ما تقدم لا يستبعد خيار أن يتقدم أي نائب بطلب تحديد مهلة زمانية لمهمّة رئيس الحكومة يصبح التكليف بعد مرورها وكأنه لم يمكن، مشيراً إلى إحتمال رابع يتعلق بطلب رئيس الجمهورية من رئيس الحكومة المكلف تقديم التشكيلة التي يريدها، على أن يوقّعها الرئيس ويعلن عدم إقتناعه بها تاركاً للأكثريّة النيابية التصرف بمنح أو حجب الثقة عنها، ويؤكد أنه بحال إعتماد السيناريو المتعلق بطلب أو توصية البرلمان سحب التكليف من رئيس الحكومة المكلف وتجاوب الرئيس، فإن قرار رئيس الجمهوريةيكون نافذاً بذاته ولا يقبل المراجعة القضائيّة أو الدستوريّة، كونه يتعلق بالأعمال الحكومية ولا يخضع للطعن.
إنطلاقاً من هذا الواقع، لدى تيار "المستقبل" قناعة بأن أي خيار يمسّ بصلاحيات رئيس الحكومة المكلف سيقود إلى أزمة جديدة بدل المساعدة على تأليف الحكومة، الأمر الذي لا يمكن التغاضي عنه بأي شكل من الأشكال، أي أنه سيفتح الباب أمام معركة الصلاحيّات بين رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة.
ويشير عضو المكتب السياسي في التيار النائب السابق مصطفى علوش، في حديث لـ"النشرة"، إلى أن أي أمر يُطرح من خلال الدستور لتسريع تشكيل الحكومة مرحّب به، بغض النظر عما إذا كان من صلاحيات رئيس الجمهورية أو غير ذلك، مؤكداً أن "المستقبل" لا يريد فتح معركة من لا شيء، لكن صلاحيات الرئيس أو رئيس الحكومة المكلف محددة في الدستور، ولا تفتح باب الإجتهاد في ما يتعلق بصلاحيات رئيس الحكومة المكلّف، جازماً بأن لا شيء يحدّد مهلة زمنية لإنجاز التشكيلة الحكومية.
ويشدّد علوش على أن الحديث عن توصية بسحب التكليف تصدر عن مجلس النواب غير وارد في الدستور، لافتاً إلى أن أي حل غير دستوري يعد "إنقلابا" سيقود إلى إهتزاز الأوضاع الداخلية، معرباً عن إعتقاده بأن الرئيس لن يذهب إلى هذه الخطوة لعلمه مسبقاً أنها خطوة نحو المجهول، مؤكداً أن "موقفنا سيكون المحافظة على الدستور، لأن الموضوع لا يتعلق برأي رئيس جمهورية قوي أو رأي رئيس حكومة قوي بل برأي دستوري فقط لا غير".
في المحصّلة، يرى علوش أن الخطوة التي قد يقوم بها رئيس الجمهورية عبارة عن رسائل وجدانيّة، يعرض فيها وقائع معنية أو يطرح أموراً للحث على التشكيل، بحال كان يريد المحافظة على الإستقرار والإستمرار بالتسويات التي أوصلته إلى الرئاسة، لكن إذا كان يريد الخروج منها فإن الأوضاع ستزداد سوءاً.