سيناريو جديد، سيجري تنفيذه في سوريا، يبدأ بجهوزية مجموعات مسلّحة، لا زالت موجودة في الشمال، بتنفيذ هجمات مشبوهة، بإستخدام مواد كيميائية، يصوّرها الاعلام على انها جرائم ارتكبتها دمشق بحق المدنيين. تُعلن بعدها الولايات المتحدة الأميركية "معاقبة سوريا"، بتوجيه ضربات صاروخية، قد تكون أشد هذه المرة. لماذا؟ .
المتحدث باسم وزارة الدفاع الروسية الجنرال إيغور كوناشينكوف اكد "أن الإرهابيين من جماعة "هيئة تحرير الشام يستعدون لعمل استفزازي من أجل اتهام دمشق باستخدام الكيميائي ضد المدنيين في محافظة إدلب". وشرح أن مسلحي التنظيم قد نقلوا ثماني حاويات مليئة بالكلور إلى مدينة جسر الشغور في محافظة إدلب لتنظيم مسرحية "الهجوم الكيميائي" المزعوم. لم يقتصر الكلام الروسي عند هذا الحد، بل إتّهم المخابرات البريطانية بالمشاركة في الاعداد لهذه الخطوة.
هذا يدل على ان العدوان على سوريا بات جاهزا، وينتظر الساعة صفر للتنفيذ. يعزز وجود السيناريو تصريحات اميركية تمهيدية، بالتزامن مع وصول المدمرة الأميركية "The Sullivans" وعلى متنها 56 صاروخا مجنّحًا الى الخليج، ووصول المقاتلة الاستراتيجية الأميركية "В-1В " وعلى متنها 24 صاروخا مجنّحاً، الى قاعدة العديد في قطر.
كل الوقائع تشير الى أن الاميركيين عقدوا العزم على توجيه ضربات لمراكز او تجمعات عسكريّة سوريّة تتحضّر الى دخول ادلب، لاعادة تلك المحافظة الى حضن الدولة، وضرب آخر معاقل الارهابيين. الخطوة الاميركية ذات بعدين: استهداف المشروع الروسي في سوريا، ووضع مطبّات في وجه موسكو، بعد اتفاق روسي-ايراني-صيني، على توزيع النفوذ العسكري والاقتصادي في سوريا، وتموضع ذاك الحلف بوجه السياسات الأميركيّة التي تظهّرت بعقوبات طالت الروس والايرانيين والصينيين معا، وهو أمر ردّت عليه بكين بفرض ضرائب مماثلة على البضائع الأميركية.
لكن الخطوة الاميركية مدفوعة برغبة البيت الأبيض الهروب من الازمة التي يعاني منها الرئيس الأميركي دونالد ترامب داخل الولايات المتحدة.
يقول الباحث الاستراتيجي د. عماد شعيبي ان ترامب قد يهرب من الفضائح التي كرّستها الدولة العميقة لعزله، نحو دفعها إلى مأزق بالتوجه لضرب سوريا، متخذاً المحافظين الجدد وعلى رأسهم جون بولتون واجهة لهذه المغامرة، التي تكلّف البنتاغون والدولة العميقة مشكلات مترتّبة على سياسة، لا يرضاها هو بالذات في المنطقة، أي التورط العسكري.
وهو في الضربة السابقة اتّبع نفس الأسلوب، بل أتى ببولتون لهذا الغرض كواجهة للتطرف، وعصا يستخدمها بالتطرف العسكري والسياسي لايصال رسالة للدولة العميقة: الى أين ستوصل سياساتها؟ لا، بل وتوريطها باحتمال مواجهة مع القوات الروسية.
هكذا يبدو أن تصفية الحسابات بين ترامب والدولة العميقة في الولايات المتحدة تتخذ سوريا ساحة عمليات لعبة حافة الهاوية. ترامب هنا يهرب من واشنطن الى دمشق، حاملاً معه رسالة تنصّل من الاتهامات الموجهة له بعمالته للروس.
لكن العدوان الاميركي المتوقع على سوريا، لن يغيّر بمسار اللعبة الميدانية فيها الآن، بعدما بات اكثر من ٩٠ بالمئة من الاراضي السوريّة تحت سيطرة الدولة. وقد ترتد بصورة سلبيّة على الأميركيين بمزيد من التماسك الروسي-الايراني-الصيني، كحلف ينفّذ معموديات النار معاً بنجاح.
لكن السؤال يبقى: هل يُنقذ ترامب هروبه الى سوريا؟ هو يستخدم كل الاسلحة، واعتماده الاساسي على انصاره في تنفيذ انقلاب شعبي داخلي، لإحباط مخطط الاطاحة به.
في قراءة معمّقة يجريها الباحث الاستراتيجي د. كمال خلف الطويل، يرى فيها ان "ما تريده دولة الأمن القومي هو قنصه بتهمة التواطؤ مع "العدو" الروسي، وليس أمامه داخليا إلا خوض الصراع بالمليان، استباقا وردا... فلا بديل أمامه إلا تجييش قاعدته، وتبيان أن تقويضه يعني ذهاب ربحهم وانقضاض جماعات التعددية الثقافية وزواج المثليين وهواة الحروب ومصدّروا الصناعات عليهم". لكن الباحث نفسه، يرى ان عاملا وحيدا قد يغيّر المعادلة، وهو تأثير أولاده عليه: هل يقلبون المسألة بطلب النجاة؟ وذلك، بأن يقنعوه بالاستقالة، مع عفو مايك بنس عنه وعنهم، ومن ثم استنقاذ شركتهم من التلاشي"؟.
اتى الهروب الى سوريا، يوحي بأن ترامب يوسع دائرة الرد، ومستعد فعلا للتضحية بعلاقته مع روسيا كرمى لحماية رئاسته الاميركية. لكن ذلك لا يكفي، بنظر معارضيه. لقد تجاوزت الأمور تلك الخطوط.