بين تحذير أمين عام "حزب الله" السيّد حسن نصر الله بأن "لا تلعبوا بالنار" وردّ مصادر "تيّار المُستقبل" بعبارة "لا تلعبوا بالعدالة"... تناقض كبير مبني على مسار طويل عُمره أكثر من عقد من الزمن، كان مليئًا بالخلافات والإتهامات والإغتيالات. فما هي أسباب عودة الحديث عن قرب تثبيت إتهام عناصر من "حزب الله" بجريمة إغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري؟.
الأوساط المُؤيّدة لمحور "المُقاومة" تُدرج عودة الحديث عن المحكمة الدَوليّة وكذلك عن قرارات إدانة بحق عناصر من "حزب الله" في خانة الضُغوط الدَوليّة المُمارسة على "الحزب" وعلى المحور الذي يُمثّله، وهي تعتبر أنّ الإنتصارات التي حقّقها "الحزب" ومن خلفه هذا المحور خلال الأشهر والسنوات القليلة الماضية، إن كان سياسيًا في لبنان، أو عسكريًا وأمنيًا في سوريا والمنطقة عُمومًا، دفعت القوى المُناهضة المُتعدّدة إلى التحرّك من جديد لإعادة عقارب الساعة إلى الوراء، علّها تنجح في إثارة فتنة جديدة في لبنان، وعلّها تنجح في تشويه سمعة "حزب الله" الذي صار يُشكّل قُوّة سياسيّة-عسكريّة بنُفوذ وبإمتدادات إقليميّة واسعة. ورأت هذه الأوساط أنّ هذه المحاولات ستفشل كما سابقاتها، لأنّ أحدًا لم يعد يُعير أي إهتمام بالمحكمة الدَوليّة وبقراراتها.
في المُقابل، تردّ الأوساط المُقتنعة بتورط "الحزب" بجريمة إغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري بالقول إنّه وعلى العكس مِمّا يُشاع فإنّ مسار المحكمة طال كثيرًا، وصار لزامًا على هذه المحكمة أن تُصدر قرارتها بعد طول إنتظار، مُذكّرةبأنّ بداية المسار الرسمي للمحكمة الدَوليّة الخاصة بلبنان يعود إلى الأوّل من آذار 2009، ما يعني أنّنا على بُعد أشهر من مُرور 10 سنوات كاملة على إنطلاق أعمالها وأكثر من ذلك على مُستوى القرار بتأسيسها(1)! وأضافت هذه الأوساط أنّه في الأسابيع القليلة المُقبلة سيتمّ تقديم الخُلاصات النهائيّة لفريقي الإدعاء والدفاع، ما يجعل من قرب صُدور الحكم النهائي مسألة حتميّة، خلال الأشهر القليلة المُقبلة. ورأت هذه الأوساط أنّ الحديث عن مُحاولات لتشويه سمعة "حزب الله" أو لفرض عُقوبات عليه بحجّة القرارات المُرتقبة للمحكمة، هو ذرّ للرماد في العُيون ومُحاولة للتهرّب من المسؤوليّة المعنويّة الجسيمة التي ستنجم من الإدانة، باعتبار أنّ العديد من الدول الغربيّة والخليجيّة تدرج "الحزب" في خانة المُنظّمات الإرهابيّة منذ سنوات، وهي تفرض عُقوبات على العديد من قادته ومموّليه وعناصره، ولا تحتاج لذريعة جديدة للقيام بذلك.
وبغضّ النظر عن مدى صحّة التوظيف السياسي لعمل المحكمة الدَولية، لا بُدّ من الإشارة إلى أنّ مسألة إتهام عناصر من "حزب الله" بجريمة إغتيال الحريري ليست بجديدة، حيث سبق للمحكمة أن وجّهت إتهامات في هذا الصدد لخمسة من أعضاء "الحزب"(2). لكنّ الفترة الزمنيّة الطويلة الفاصلة بين تاريخ تنفيذ الجريمة والموعد المُرتقب لصُدور الحكم، وإقرار المحكمة بأنّ إعتقال "الضباط الأربعة"(3) في لبنان كان غير قانوني، وكذلك الإستقالات المُتكرّرة من مناصب قياديّة في المحكمة خلال هذه الفترة، سمح بتسرّب الشُكوك إلى الكثير من النُفوس في مصداقية المحكمة وفي مدى دقّة قراراتها، خاصة وأنّ بعض المُتهمين قد توفّوا، وفي طليعتهم القيادي في "حزب الله" مُصطفى بدر الدين(4).
في المُقابل، تؤكّد مصادر "المحكمة الدَوليّة" أنّ الأدلّة الحسّية المُتوفّرة كافية لبناء قرار الإدانة، وأنّ مُحاكمة مُتهمّين غيابيًا هو أمر طبيعي في العديد من الجرائم. وعلى خطّ مُواز، يُصرّ المُقتنعون بصوابية إتهامات المحكمة على صحّة هذه الإتهامات، مُبرّرين ذلك بما حصل من مُحاولات سياسية (ضُغوط ومنع تمويل وحملات إعلاميّة) وحتى دمويّة (إغتيالات) لعرقلة عملها، من مرحلة التأسيس مُرورًا بمرحلة التحقيقات وُصولاً إلى مرحلة المُحاكمات. ويعتبر هؤلاء أنّه ليس صدفة أن يتمّ إستهداف العقيد السابق في قوى الأمن الداخلي سمير شحادة بعبوة ناسفة نجا منها بأعجوبة بينما كان يتولّى التحقيق في الأدلّة الخاصة بجريمة إغتيال الحريري، ولا أن يتم إغتيال الرائد وسام عيد الذي كُلّف إستكمال هذا المسار ونجح في التوصّل إلى أدلّة حسّية مُهمّة، وُصولاً إلى إغتيال رئيس شعبة المعلومات السابق وسام الحسن الذي أشرف بفعاليّة على كل التحقيقات، حيث تدلّ هذه الإغتيالات المُتكرّرة على خشية المُتهمين المعروفين من فضح أمرهم بأدلّة حسّية دامغة تُثبت تورّطهم.
في الخُلاصة، لا شكّ أنّ لبنان المُنقسم دائمًا سياسيًا وشعبيًا على القضايا الإستراتيجية والأساسيّة سيتعرّض لخضّة سياسيّة جديدة في حال جاء الحُكم المُنتظر صُدوره في المُستقبل غير البعيد عن المحكمة الدَولية مُطابقًا للإتهامات السابقة التي وجّهتها لعناصر "حزب الله". والنتائج المُترتّبة عن ذلك ستكون مُرتبطة بأسلوب تعامل الدولة والقيادات اللبنانية المعنيّة مع الأمر، وكذلك بالمدى الذي ستبلغه المحكمة في إداناتها، حيث أنّ إتهام بعض العناصر شيء وإتهام قيادات رفيعة شيء آخر، خاصة إذا كانت هذه التهم مُرفقة بتهم مُقنعة إلى حدّ ما على الرغم من المنع الذي طاول عمل المُحقّقين على مدى سنوات طويلة.
(1) بعد مسار التشكيل، والتحقيقات، بدأ العمل الرسمي للمحكمة الدَولية، أي المُحاكمات في 16 كانون الثاني من العام 2014 في لايدسندام قرب لاهاي، مع التذكير أنّ إقرار مشروع المحكمة الدولية من قبل مجلس الأمن الدولي وإقراره من قبل مجلس الوزراء اللبناني كان تمّ في تشرين الثاني من العام 2006.
(2) هم: مُصطفى بدر الدين وسليم عيّاش وحسن مرعي (بتهمة التخطيط وتنفيذ الإغتيال مع آخرين)، وحسين عنيسي وأسد صبرا (بتهمة فبركة شريط فيديو كاذب بإسم "جماعة إسلاميّة مُتطرّفة" تتبنّى الإغتيال).
(3) هم: مدير الأمن العام الأسبق اللواء جميل السيّد، ومدير قوى الأمن الداخلي الأسبق اللواء علي الحاج، ومدير جهاز الإستخبارات العسكري الأسبق العميد ريمون عازار، وقائد الحرس الجُمهوري الأسبق العميد مُصطفى حمدان.
(4) أعلن "حزب الله" عن "إستشهاد" بدر الدين في سوريا في 13 أيّار 2016.