تأتي الذكرى الأربعين لتغييب الإمام السيد موسى الصدر ورفيقيه هذا العام، تحمل معها متغيرات، بحجم التحدّيات التي قررت حركة "أمل" مواجهتها بالتجديد، في مؤتمر ستعقده الحركة في نهاية شهر ايلول المقبل.
لم تستطع الحروب، ولا الصفقات، ولا الحملات، ولا كل محاولات الإلغاء أن تشطب "امل" من المعادلة الوطنية. تغذّي الحركةَ اجيالا جديدة، تتحضّر للعب دور ريادي في صفوفها، بقيادة رئيس مجلس النواب نبيه بري، الذي يشرف شخصياً على التحضير للمؤتمر. لكن حجم التغيير تحدده مقررات المؤتمر نفسه، ولا يمكن التكهن به.
كل ما يدور بشأن ما هو آت، يدلّ على ان الحركة تستعيد وهج التأسيس. ومن هنا ستأتي المشاركة الحاشدة المتوقعة، في مهرجان بعلبك، الجمعة المقبل. حجم التأييد الشعبي ظهر في الحملات الاعلامية التي نظمها المواطنون بكل عفوية، على طول الطرق الممتدة من مكسة-شتورا، الى الحدود في الهرمل. لبس البقاع حلة خضراء، وارتفعت صور الامام الصدر وبري، وكُتبت عبارات الوفاء لخط "امل". بالطبع لعب إقليم البقاع في الحركة دوراً اساسيا في التحشيد الذي باشره منذ فترة التحضير للانتخابات النيابية، وبقي قائما في التواصل مع بلدات وعائلات وعشائر البقاع. هؤلاء الذين يحفظون للحركة دورها الوطني، وللامام الصدر رؤيته الاستشرافية، ولرئيس مجلس النواب قدرته السياسية. لا يمكنهم الانفصال عن بعض. فشلت كل محاولات الفصل سابقا. سقط المحرّضون، وغاب المتضررون، وبقيت عناوين "امل" راسخة في البقاع، برعاية العيش المشترك، والدفاع عن الوحدة، والمطالبة بإنماء منطقة بعلبك-الهرمل، التي يسعى بري لإطلاق مجلس لها، مع عكار، كما الجنوب.
بري نفسه الذي استحصل للمنطقة على خمسة الاف رخصة زراعة تبغ، هو نفسه يسعى لتشريع زراعة الحشيشة، لغايات طبية. هو نفسه الذي يسعى ايضا لتطبيق شعاره: الى البقاع در.
سبق ان اهتم بمشروع السد المائي على نهر العاصي، وحصل منذ عقدين على موافقة الرئيس السوري الراحل حافظ الاسد لاقامة سد على النهر يقسم الاستفادة من المياه مع سوريا، لكن الحكومات اللبنانية المتعاقبة هي التي قصّرت في التنفيذ، ولا زالت تعتبر البقاع الشمالي في ادنى درجات الاهتمام الرسمي.
سيحمل بري معه للبقاع مشروعا تنمويا متكاملاً. الاولوية عنده هي منطقة بعلبك-الهرمل الآن. لتأتي نتائج مقررات مؤتمر الحركة مكمّلة لاعادة وهج التأسيس. وللمصادفة ان الامام الصدر كان أطلق في مهرجان القسم الذي اقامه في بعلبك، اول دفع عملي لتنظيم الحركة، قبل ان يحلّ بعده يومها مهرجان صور. تلك المهرجانات هي التي احيت التنظيم شعبياً، ورسّخت جذوره، وثبّتت طروحات الامام الصدر في معاني القسم، فخافت السلطات يومها، وأدركت ان الامام الصدر يقود حركة لن تتوقف، فاطلق الصدر شعاره الشهير: انتم يا اخوتي الثوار كموج البحر، متى توقفتم انتهيتم. لم تتوقف الافواج، لكن مطبّات عدة رافقت مسيرتها الحركية، ولم تكن محطة الانتخابات الماضية التي لم تُرض نتائجها الحركيين، هي الاولى من نوعها. سبق أن مروا بازمات وجودية، فتجاوزوها بإرادة صلبة، و قيادة وقدرة وحنكة سياسية يمتاز بها بري. تلك الحنكة والقدرة هي التي تحضّر مؤتمر الحركة المقبل، الذي يعوّل عليه الجسم التنظيمي بأكمله، لاستكمال المسيرة.
ان الحاجة الى "امل" هي دائمة، بفعل نهج وطني، منفتح، معتدل، وسطي. فلقد أثبتت الايام أن الكل لفّوا وداروا، ونظّروا، وإقترحوا، أو شذّوا عن طروحات الامام الصدر الوطنية والاجتماعية، ثم عادوا اليها.
ستبقى العقيدة ذاتها ثابتة، بقوة اجيال تجدد النسل الوطني، جيلا بعد جيل، ويبقى فكر الامام الصدر مرجعاً لكل تلك الأجيال، ليكمل الشباب محاضراته في الكنائس، ويترجمون تعاليمه ان الاديان كانت واحدة، تهدف لخدمة الانسان الواحد. المبدأ واحد والهدف واحد.