في كل مرة تصبح فيها الحكومة حكومة تصريف أعمال، يسحب رئيس مجلس النواب نبيه بري من جيبه أرنباً لملء الفراغ المؤسساتي إسمه تشريع الضرورة. وفي كل مرة يشرح فيها الموجبات الدستورية والسياسية والإقتصادية التي تتطلب اللجوء الى مثل هذا التشريع يفتح بازار الأسئلة: أولاً مَن مِن الكتل النيابية الأساسية مع هذا التشريع ومن ضده؟ من سيحضر الجلسة المخصصة لمثل هذا النوع من التشريع ومن سيغيب عنها؟ من يقرأ أن الدستور ينص على تشريع الضرورة في مادته التاسعة والستين ومن يرى عكس ذلك؟.
واذا كانت كتلة "التحرير والتنمية" داعمة دائماً لتشريع الضرورة كونها الكتلة التي يرأسها بري، فكتلة "الوفاء للمقاومة" تدعم أيضاً وبأيّ وقت كان هكذا تشريع الأمر الذي يؤيده أيضاً تكتل "لبنان القوي". في المقابل تنظر كتلة "المستقبل" دائماً الى مثل هذا التشريع بسلبيّة تامة تارةً تحت عنوان إن المجلس لا يحقّ له أن يشرّع في ظلّ حكومة تصريف أعمال، وطورًا من زاوية أن التشريع في ظل غياب حكومة ينتقص من هيبة وصلاحيات الرئاسة الثالثة. "موقف تيار "المستقبل" هذا" تقول الأوساط المتابعة "يحرج كتلتين أساسيتين لم تعلن أي واحدة منهما بعد كيف ستتعاطى مع الجلسة في حال دعا بري الى انعقادها. كتلة "اللقاء الديمقراطي" التي يرأسها النائب تيمور وليد جنبلاط وتكتل "الجمهورية القوية" برئاسة رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع.
بالنسبة لكتلة "اللقاء الديمقراطي" يكشف العارفون بكواليس المختارة بأنها، وفيما لو لم يكن الحريري راضياً عن الجلسة وغير موافق عليها ستضطر الى مسايرة حليف من إثنين: إما أن تشارك وعندها يرضى عنها برّي، وإما تقاطع الجلسة وعندها تحظى برضى الحريري ويغضب منها برّي.
ولكن في نهاية المطاف يقول مصدر في الكتلة، إن النائب السابق وليد جنبلاط الذي سبق له أن اشتبك مرات عدّة في السياسة مع الحريري لا يكسر الجرة ابداً مع بري، وهو الذي كان دائما الى جانبه في أصعب الظروف".
أما بالنسبة الى تكتل القوات وعلى رغم التفسيرات والتبريرات التي يقدمها نائبه جورج عدوان بين الحين والآخر، فهو سيكون محرجاً أيضاً. إحراج القوات سببه العلاقة المستجدّة الجيدة بين معراب ورئيس مجلس النواب. فإذا أيّدت القوات جلسة التشريع لن يرضى الحريري على موقفها وإذا رفضت التشريع يتبين أن مشاركة نوابها في لقاء الأربعاء النيابي ليست أكثر من فولكلوريّة، ويسقط عندها كل ما تسوّقه حيال أنها على توافق مع بري وهو يؤيد مطالبها الحكومية. لذلك، لم تكشف القوات عن موقفها بعد ولن تعلن عنه إلا عندما تصبح الجلسة أمراً واقعاً أي بعد تحديد موعدها.
في نهاية المطاف، وبغض النظر عن كل الحسابات السياسية الضيّقة، سيكون هناك شبه إجماع سياسي على تشريع الضرورة. شبه إجماع قد يلتحق الحريري به بسبب الإستحقاقات التشريعية المطلوبة إصلاحياً من لبنان في مؤتمرات الدعم الدولية وتحديداً سيدر. إستحقاقات إصلاحية يجب على لبنان ترجمتها عبر قوانين، وإلا تذهب المليارات التي وعد بها لبنان على شكل قروض وهبات في مهب الريح ويتم تحويلها الى دول أخرى، فهل هناك من يتحمل مثل هذه النكسة الإقتصادية؟.