على عكس الكثير من التحاليل والتوقعات والانباء عن انطلاق المعركة الرئاسية والمتوقعة بعد اربع سنوات، وهي الفترة التي تعلن انتهاء ولاية الرئيس الحالي العماد ميشال عون، لا يمكن القول ان في الافق ما يشير الى ذلك. وكي لا نختبىء خلف اصبعنا، فإنه من النافل القول ان معركة رئاسة الجمهورية ليست بـ"المعركة" فعلياً، وهي لم تكن في التاريخ اللبناني الحديث، مناطة باللبنانيين سوى من ناحية الاخراج، فالتوافق يكون اقليمياً ودولياً وبإخراج محليّ فقط.
وانطلاقاً من هذه المعطيات التي يعرفها الجميع، كيف يمكن تبرير الكلام عن الاهتمام بهوية الرئيس المقبل، او تسويق البعض نفسه كخليفة لعون؟ بداية، ليس من البديهي ان تعمد اي شخصية او جهة سياسية الى تسويق شخصية تعوّل عليها من اجل ترشيحها، فهذا الامر قد يؤدي الى احراق كل اوراق هذه الشخصية، كما حصل مع كثيرين في السابق، وكلما كان هذا التسويق مبكراً، زادت نسبة وضع الشخص المعني تحت المجهر وتعرضه لحملة مدروسة بهدف اسقاط كل الاوراق التي يحملها.
واذا تم تخطي هذه العقبة، فوضع المنطقة غامض واللاعبون كثر، والطرق الواجب اعتمادها لم تعد تقتصر على السعودية وايران اقليمياً والولايات المتحدة دولياً، بل هناك الكثير من اللاعبين الآخرين فرضوا انفسهم على الساحة واولهم روسيا. فلمن يجب على "الشخصية الطموحة" تقديم نفسها لتحظى بالدعم الاقليمي والدولي الذي يسمح لها بترتيب الاخراج المحلّي؟ ووفق السنوات الاخيرة، نام الكثير من الاشخاص كرؤساء للجمهورية ليستيقظوا وقد تلاشى الحلم وبقي الواقع، علماً ان صورة المنطقة لم تكن ضبابية بهذا الشكل، بل كانت اكثر وضوحاً ورغم ذلك تغيّرت الامور بشكل دراماتيكي قبل ان ترسو على العماد ميشال سليمان سابقاً والعماد ميشال عون حالياً.
ومن الصعب حتماً تحديد من يحمل ورقة الرئاسة اللبنانية، لان المسألة مرتبطة بالحل الشامل في المنطقة الذي قد يتأخر لما بعد العام 2022، وهو العامل المفصليّ في تحديد الأكثر نفوذاً على الساحة والذي سيقبل او يرفض رئيس الجمهوريّة المقبل. ووفق نظرية بسيطة، فإن الرئيس اللبناني لن يقدّم او يؤخّر في الوضع العام للمنطقة، على غرار باقي المسؤولين اللبنانيين، وكل ما يمكنهم القيام به هو الاهتمام ببعض الامور الداخلية، لأنّ الصورة الخارجية تعكسها العوامل الدوليّة والاقليميّة، فإذا ترسخ الحلّ السياسي في سوريا والمنطقة، كان للرئيس دور اوضح في التعاطي مع المسائل الداخلية، اما اذا لم يتم ترسيخ هذا الحل، فسيكون دوره اكثر صعوبة. ومردّ ذلك الى كون الحلّ السياسي سيتطلب تهدئة الجبهة اللبنانية على شتى المحاور والمواضيع، وسينعم لبنان بفترة من الاستقرار على اكثر من مستوى. اما غياب هذا الحل لسنوات اخرى، فمن شأنه استمرار التوترات السياسيّة والاقتصاديّة في لبنان، ولن يكون الرئيس المقبل بالتالي، قادراً على التعاطي معها وفق ما يتمناه، وسيكتفي بتمرير الوقت في ظل استقرار امني مطلوب وقائم. ولن يكون الصراع الدولي قد حسم بعد على تنازع النفوذ ونسبته في المنطقة، وهو امر ينعكس سلباً على لبنان، ويزيد من الحيرة في تحديد هوية من يجب ان يتولى الملفّ اللبناني، في ظل تراجع الدور العربي والايراني في هذا المجال، بسبب تغيّر الظروف التي لم تعد قائمة ومنها على سبيل المثال لا الحصر: التهديد العسكري الذي كان متمثلاً باقامة إمارة "داعش" في لبنان، وسيطرة المسلّحين على قسم كبير من الاراضي السوريّة، وعدم دخول روسيا بثقلها في موضوع اعادة النازحين الى ديارهم، وعدم انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الايراني، وعدم التوتر الكبير القائم بين واشنطن وانقرة...
كل هذه المعطيات تشير الى ان اي حديث عن التحضير لرئيس مقبل للجمهورية في لبنان هو مجرد فقاعات هوائية لا اساس لها من الصحّة، وان هويّة هذا الشخص تفرضها الظروف الاقليميّة والدوليّة والتغييرات المتسارعة على الساحة اللبنانيّة لتأمين الاخراج المناسب.