أكد بطريرك انطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس يوحنا العاشر يازجي يوحنا في القداس الإلهي في كاتدرائية القديس نيقولاوس في زحلة أنه "من عهد المحبة يحلو لي أن أطل عليكم اليوم. ومن كلمات هذا العهد الجديد للنعمة يطيب لي أن أتلو على مسامعكم ونحن في الأحد الذي قبل عيد الصليب كلمات النعمة بلسان بولس الرسول: "أما أنا فحاشا لي أن أفتخر إلا بصليب ربنا يسوع المسيح".
وأوضح يازجي أنه "هنا قد يسأل سائل لماذا على بولس أن يفتخر بالصليب وليس بالقيامة؟ وقد يسأل ضعفنا البشري السؤال ذاته في أيامٍ قد تطبق فيها مصائب الدنيا علينا. وهنا يأتيه الجواب من بولس الرسول: الصليب هو مفخرة كل نفس بشرية تتوق إلى عتبات القيامة والصليب هو فاتح درب القيامة. أيعني هذا في المسيحية أننا نطوب الألم ونقدّس المهانة؟ أيعني ذلك أننا في المسيحية نعتبر الصليب مجرد ترياقٍ ودواءٍ مسكّن لكل نوائب الحياة الكبرى؟ مما لا شك فيه أن الصليب رمز لألمٍ كبير ولكنه ومع يسوع المسيح أمسى سلاح الغلبة على الموت. ونحن في المسيحية لا نقدس الألم لا بل نجل المحبة الإلهية التي لم توفر حتى سبيل الألم في سعيها وراء الدرهم الضائع، أي الإنسان. نحن لا نطوب الألم ولا نقدس العذاب لكننا نجل ونقدر كثيراً ذاك التواضع الإلهي، تلك الحكمة الإلهية، تلك المحبة المتسامية، التي لم تمنع الرب الخالق من أن يعمل كل شيء في سبيل خلاص الإنسان التائه في دنيا أهوائه وخطاياه. ولم تمنعه أيضاً من أن يسلك حتى درب الألم والعذاب في سبيل من أحب. هذه هي الحكمة الإلهية التي يرمز لها لوقا البشير في إنجيله في مثل الدراهم العشر".
وأشار الى أن "هذا يا أحبتي، شيء من معنى الصليب في أيامنا. ولا ننسى شيئاً ههنا، يخبرنا معظم الإنجيليين أن الرب عندما ظهر بعد القيامة تراءى أولاً للنسوة الحاملات الطيب وهن النسوة ذاتهن اللواتي كن عنده قبلاً عند الصليب وتراءى أيضاً للعذراء مريم التي كانت عند أقدام الصليب. ولعل في ذلك عبرةً إن من يقاسي درب صليب ويشترك ولو في إحساسه، في دنياه، في حياته اليومية ولو رمزياً مع ذاك المصلوب المحب، هو أول من سيعاين شروق فجر القيامة. نسوةٌ بكين عند الصليب ونسوةٌ فرحن عند القبر. دموع حزنٍ عند الصليب ودموع فرح عند القبر الفارغ. ومن هنا تعليمنا المسيحي درب القيامة عمادها الصليب ودرب الصليب مآلها القيامة".
ولفت الى أنه "وفي هذا اليوم أيضاً، التاسع من أيلول رتبت الكنيسة المقدسة ذكرى القديسين يواكيم وحنة جدي المسيح الإله وذلك في اليوم التالي للثامن من أيلول ذكرى ميلاد العذراء. العذراء يا أحبة ثمرة تربيةٍ بشريةٍ. وثمرة التربية هذه هي التي انتقاها يسوع المسيح ليسكن في حشاها ويولد طفلاً بالجسد. فحريٌّ بنا أن نتأمل في هذا اليوم دور التربية البيتية في تنشئة الجيل المسيحي بحسب قيم الإنجيل والكنيسة. التربية البيتية هي الأساس والعائلة هي الكنيسة الصغيرة وجرن العماد المكمل لكل عماد طقسي. ومن هنا دور الأب والأم في غرس القيم الإنجيلية في قلب الأطفال. الطفل أحبتي وعاء صغير إن لم يملأه الأهل بالصلاح والتربية الحسنة فللدنيا أن تملأه بكل شيء. تأملوا في شيء واحد، كمسيحيين أنطاكيين في هذا الشرق، نحن لم نأخذ انتماءنا الطائفي الاسمي من سجل النفوس ولم نأخذه من دول اعتنقت المسيحية كدينٍ رسميٍّ. ولم نأخذه تحدياً لأحد. ولم نتلقفه من الحملات الخارجية التي ادعت باطلاً اسم الصليب ولم نكن من مخلفاتها ولسنا بزوارٍ في هذا الشرق. لقد تلقينا إيماننا من فم الرسل ومنذ فجر المسيحية. ورضعنا إيماننا مع حليب الأمهات. ومنهن تعلمنا رسم الصليب. لقد تلقفنا إيماننا بالدرجة الأولى من أبٍ وأمٍ تحمّلا كل شيء ليسكنا يسوعاً صغيراً في نفوسنا. لقد تعلمنا إنجيلنا من جدٍّ وجدةٍ وأسرةٍ عجنت مع قمحها قربان الكنيسة ومزجت مع كرومها عصارة غيرة الأوّلين ومحبتهم المتقدة ليسوع المسيح وقديسيه".