حتى اليوم، بقيت 8 آذار تتّهم الحريري بالمماطلة في عملية تأليف الحكومة، وتقول إنّ الرئيس المكلّف يتناغم مع مطالب قوى خارجية تراهن على إحداث انقلابات سياسية، داخلياً وشرق أوسطياً. والهدف هو منع أن يكون قرار الحكومة المقبلة في يد «حزب الله». ولكن، في الأيام الأخيرة، قد تكون معطيات جديدة قيد الولادة، ومن شأنها أن تعيد التوازن. ويبدو أنّ قوى 8 آذار دخلت حديثاً حلبة المراهنة من جديد... والعنوان الأساسي هو: معركة إدلب!
يقول أحد أركان 8 آذار: وجَّهنا النصيحة إلى الحريري وحلفائه في 14 آذار والنائب وليد جنبلاط، «من أوّل الطريق»، بألّا يراهنوا على تطورات إقليمية وداخلية من شأنها أن تقلب المعادلة في الداخل اللبناني. لكنهم، مرّة أخرى، لم يقتنعوا وواصلوا المماطلة في عملية تأليف الحكومة… لعلّ رهانهم يتحقّق.
ويضيف: للدقّة، الأرجح أن هؤلاء ليسوا مقتنعين فعلاً بأنّ رهانهم سينجح. فالتجارب الكثيرة التي خاضوها على مدى سنوات، وانتهت بهم إلى الإحباط والخيبة، علّمتهم التعاطي بواقعية معينة في الشأن الداخلي. لكنهم محكومون بعلاقات وارتباطات خارجية لا يستطيعون تجاوزها. وهنا تكمن مشكلتهم.
يرى هذا الركن في 8 آذار أنّ الحريري يميل شخصياً إلى التسهيل والعودة إلى التسوية المعقودة في العام 2016، لكنه يتعرّض للضغوط الخارجية. أمّا حلفاؤه فيتصرفون من منطلقات أخرى. إنهم يريدون الاستفادة من الظرف لتثبيت مواقعهم، وهم يلعبون «صولد» بالدعم الخارجي لأنه الوحيد الذي يوفّر لهم الحماية اليوم، بعدما سقطت من أيديهم غالبية أوراق القوة السياسية داخلياً.
ويسأل: ما هي المكاسب التي يتوقّع المراهنون أن يحقّقوها إقليمياً وداخلياً، والتي على أساسها يطلبون من الحريري أن يماطل في التأليف؟
ويجيب: إذا كانوا يعتقدون أنّ الحملة الأميركية - الإسرائيلية على إيران ستؤدي إلى إضعاف دورها في الشرق الأوسط، فإنّ تحقيق هذا الهدف دونه عقبات ذات طابع استراتيجي. فهناك تقاطع للمصالح بدأ يتكرّس في مواجهة الخطة الأميركية، قوامه الأوروبيون والروس والأتراك وقوى أخرى متضرِّرة من سيطرة واشنطن ولا ترغب في نمو المحور الإقليمي الحليف لها.
وعلى رغم الإرباك الذي أصاب طهران نتيجة التطورات السياسية في الداخل الإيراني والعراق، فليس في الأفق ما يوحي بأنها ستفقد الترابط بين حلفائها في الخليج وعلى خط بغداد - دمشق - بيروت. وهناك اقتناع بأنّ الضغوط الأميركية لن تبلغ السقف الذي يعطّل دورها الإقليمي ومواقع حلفائها في العديد من دول المنطقة.
وأمّا الرهان على انقلاب في المعادلات تقود إليه قرارات المحكمة الدولية فيعني الانتظار أشهراً عدة لصدور الأحكام، وربما إلى نهاية النصف الأول من العام المقبل، كما يتردّد. فهل يريد المراهنون إبقاء لبنان بلا حكومة إلى ما بعد إصدار المحكمة أحكامها؟ وهل يمكن أن يتحمّل لبنان هذا التأخير؟ وهل يضمنون طبيعة الأحكام؟
وأمّا الرهان المستمر على زعزعة نظام الرئيس بشّار الأسد، يقول الركن في 8 آذار، فالمؤشرات الأخيرة توحي بعكس هذا الاتجاه تماماً. وفي الأسابيع المقبلة سيكون التحدّي هو استعادة الأسد سيطرته على مجمل الأراضي السورية، بعد حسم المعركة في إدلب. وهو أمر يتم التحضير له اليوم، فيما يستعيد النظام اتصاله بالعالم، وباتت الوفود الدولية تتقاطر إلى دمشق لمدِّ الجسور معها، أمنياً وسياسياً واقتصادياً.
وفي تقدير 8 آذار أنّ معركة إدلب ستضمن تحقيق الأهداف التي يتوخّاها منها الأسد، وأنّ ما بعد إدلب سيكون مختلفاً عمّا كان قبلها. فعندما تستعيد الحكومة السورية مبادرتها على الخريطة كلها تقريباً، ستمتلك مزيداً من أوراق القوة، وسينعكس ذلك رصيداً إضافياً لها وللمحور الإيراني و»حزب الله» وحلفائه في لبنان.
إذاً، ووفق قراءة هذا الفريق، تبدو مراهنة الحريري على الوقت- بناء على نصائح خارجية- في غير محلها. وعلى العكس، إنّ إيران وحلفاءها سيخرجون أقوى بعد المواجهة الإقليمية الحالية، وسيكون الأسد أقوى بعد معركة إدلب.
ولذلك، يضيف الركن في 8 آذار: نحن سنضرب موعداً مع الحريري وحلفائه بعد انتهاء معركة إدلب. ونقول لهم: إذا لم تكونوا مستعجلين لتأليف الحكومة، فيمكن أن نكون نحن أيضاً غير مستعجلين. و»خلّينا نشوف» بعد معركة إدلب. ستندمون على الأرجح لأنّ ما كنتم قادرين على شرائه اليوم بسعر مقبول سيكون باهظ الثمن عليكم بعد إدلب.
وفي أي حال، بالحكومة الفاعلة أو بحكومة تصريف الأعمال، ستمضي قوى 8 آذار في تدعيم ارتباط لبنان الرسمي بدمشق، تحت عناوين العديد من الملفات الحسّاسة ذات الطابع السياسي أو الاجتماعي أو الاقتصادي، وهي كثيرة ومُلحَّة جداً.
كيف تنظر قوى 14 آذار إلى هذه «المراهنة المضادة»، أي مراهنة 8 آذار على إفشال المعركة ضد إيران وعلى الانتصار في إدلب؟
في أوساط حلفاء الحريري يقول البعض: أساساً من الخطأ الاعتقاد أننا فعلاً نضبط ساعة تأليف الحكومة على تطورات الشرق الأوسط والمحكمة الدولية ونراهن على انقلاب المعادلات. فتأخير ولادة الحكومة يعود إلى عوامل محض داخلية، وتتمثّل برغبة فريق معيّن في السيطرة على القرار والتحكم بمصير البلد.
ويضيف: موقفنا لا يتجاوز الدفاع عن حقوقنا في أن نتمثّل في السلطة التنفيذية بمقدار ما نمتلك من حصص في السلطة التشريعية. وأما المراهنات على الاستقواء بالخارج- فمعروف أنّ الفريق الآخر هو الذي أتقنها عبر سنوات وسنوات، وفي ظلها تمكّن أن يكون اليوم في الموقع المتقدّم في السلطة، سياسياً وأمنياً. فهو استفاد من الحرب السورية وتطوراتها، ومن تمدّد نفوذ إيران إقليمياً ومن السياسة المتراخية التي انتهجتها إدارة الرئيس باراك أوباما، واستطاع تكريس نفوذه في الداخل. وكل ما تريده قوى 14 آذار اليوم لا يتعدى الحصول على التمثيل العادل في الحكومة.
واقعياً، إنّ طرفي الصراع في لبنان يتخبّطان في قلب المراهنة الإقليمية الكبرى. بالتأكيد، أحدهما هو اليوم في موقع الدفاع، والآخر في موقع الهجوم. ولكن، مَن يتموضَع اليوم في موقع الدفاع داخلياً ليس بالضرورة هو نفسه المتموضع في موقع الدفاع إقليمياً… والعكس صحيح. والمعادلات عرضة للتقلّب دائماً، ومعها تتقلّب التسوية في لبنان.