ليست المرّة الأولى منذ بدء أزمة تشكيل الحكومة التي يلوّح فيها رئيس مجلس النواب نبيه بري بالدعوة إلى جلسة تشريعية تحت عنوان "تشريع الضرورة"، انطلاقاً من أنّ الأمور لم تعد تحتمل المماطلة والتسويف، وأنّ الفراغ الذي تعيشه البلاد بانتظار تشكيل الحكومة بات "قاتلاً" وينذر بعواقب وخيمة على أكثر من صعيد.
لكن، إذا كان بري صرف النظر سابقاً عن مثل هذه الخطوة خشية من "الحساسية" التي يمكن أن تثيرها لدى فريقٍ من اللبنانيين، رغم "يقينه" بأنّها "دستورية" ولا غبار عليها، بما يشبه "حرب الصلاحيات" القائمة اليوم، فإنّ الكثير من المعطيات تؤكد أنّ رئيس المجلس أكثر من جاد هذه المرة، بل إنّ "العد العكسي" لمثل هذه الجلسة قد بدأ.
فهل ينتقل الاشتباك السياسي القائم حالياً حول الحكومة والصلاحيات إلى "التشريع"؟ وكيف سيتلقّف مختلف الفرقاء الدعوة التي يمكن أن يوجّهها بري؟ وما هو موقف "تيار المستقبل" تحديداً منها، وسط ما يُحكى عن "تباين" في مقاربة الملف بين قياديّيه؟
إلى التشريع دُر
لم يعد الأمر سراً. بات واضحاً أنّ رئيس البرلمان نبيه بري ينوي أن يخطو خطوات إضافية باتجاه التشريع بمعزلٍ عن أيّ حساسيّات يمكن أن تفضي إليها أيّ دعوة من هذا القبيل. هو قال لمن يعنيه الأمر خلال الأيام الماضية إنه ينتظر إنجاز اللجان المشتركة لدرس القوانين المطروحة أمامها ليدعو إلى جلسة تشريعية لن تكون بعيدة.
ومع أنّها ليست المرّة الأولى التي يلوّح فيها بري بهذا الخيار، فإنّ الأجواء توحي بأنّ التلويح هذه المرّة أكثر من "جدي" لاعتباراتٍ كثيرة مرتبطة بمسار تأليف الحكومة "المُقفَل" بشكلٍ أو بآخر، وبالتالي فهو ليس من باب "المناورة" كما يعتقد البعض، لحثّ رئيسي الجمهورية والحكومة المكلف على الاتفاق سريعاً على صيغة حكومية نهائية.
يقول العارفون في هذا السياق إنّ بري الذي صرف النظر سابقاً عن خيار الدعوة إلى جلسة تشريعية، على الرغم من إدراكه أنّها تنسجم مع الدستور ولا تشكّل أيّ خرق له، احتراماً للحساسيات التي عبّر عنها البعض، يجد أنّ المصلحة العليا باتت تتغلّب اليوم على مثل هذه الحساسيّات، خصوصاً أنّ كلّ المعطيات المتوافرة تشير إلى تفاقم السلبية على خط مشاورات الحكومة، التي يقول البعض إنّها "تجمّدت" من جديد، علماً أنّ تزامن "السفرات" التي بدأت خلال الساعات الماضية بين المعنيّين بالتأليف، وفي مقدّمهم رئيسا الجمهورية والحكومة فضلاً عن وزير الخارجية، يزيد من القناعة بأنّ الحكومة "مؤجّلة"، ولو قالت أوساط الحريري إنّ الأخير سيواصل مشاوراته "عبر الهاتف".
ولعلّ ما يعزّز رغبة بري بالذهاب نحو "التشريع" ما تنقله أوساطه من أنّ نيّته هذه تلقى القبول لدى معظم الكتل النيابية، بل إنّ هناك بين الكتل من يدعو بري إلى المبادرة سريعاً إلى هذه الخطوة، خصوصاً أنّ التزامات لبنان الدولية، وتحديداً نتائج مؤتمر "سيدر" للنهوض بالاقتصاد، لا يمكن أن تنتظر كثيراً. وليس سراً أيضاً أنّ من بين هذه الكتل "المحفّزة" كتلٌ كبرى ووازنة في البرلمان، بل كتل عابرة للطوائف، من "حزب الله" و"أمل"، إلى "التيار الوطني الحر" و"المردة" وربما "القوات اللبنانية".
"المستقبل" يشارك؟!
لكن ماذا عن موقف "تيار المستقبل" من مثل هذه الدعوة، علماً أنّ المعلومات تشير إلى أنّ بري صرف النظر سابقاً عنها بسبب موقفه منها، وذهاب بعض قياديّيه للتلويح بسلاح "الميثاقية" في حال الدعوة إلى مثل هذه الجلسة؟.
فيما تقول أوساط بري إنّ الأخير تبلغ من الحريري "موافقة مبدئية" على المشاركة في أيّ جلسةٍ سيدعو إليها، بمعزلٍ عن أيّ اعتبارات، توحي الأجواء بأنّ "الغموض البنّاء" لا يزال سيد الموقف "مستقبلياً" على هذا الصعيد، وأنّ التيار "الأزرق" لم يحسم موقفه من الجلسة التشريعية، في ضوء "تباين" في مقاربة المشاركة فيها بين مختلف "أجنحته" إن جاز التعبير.
فعلى الرغم من أنّ أحداً داخل "المستقبل" وخارجه لا يطعن بـ"دستورية" مثل هذه الجلسة المفترضة، وعلى الرغم من أنّ أحداً داخل "المستقبل" أيضاً لا يرغب في "الصدام" مع رئيس المجلس، وسط قناعةٍ بأنّ الأخير "يساعد" الحريري في مهمة تأليف الحكومة، ثمّة فريق "مستقبلي" يرفض المشاركة مطلقاً، على اعتبار أنّ الخطوة قد تشكّل في مكانٍ ما "تطبيعاً" مع غياب الحكومة، بما يشبه ما كان يُحكى أيام "الفراغ الرئاسي" من تطبيعٍ معه، فضلاً عن كون الخطوة "غير كافية" من دون وجود حكومة أصيلة.
وفي هذا السياق، يذهب بعض نواب "المستقبل" إلى السؤال عن "جدوى" الجلسة التشريعية اليوم في غياب الحكومة، فيما الأجدى تقديم التنازلات والتسهيلات لتأليفها سريعاً، ويستغربون كيف يدفع البعض نحو عقد هذه الجلسة سريعاً، تحت شعار "مصلحة لبنان العليا" و"منع استمرار الفراغ"، رافضاً الانتظار مدّة شهر أو شهرين مثلاً، فيما كان هذا البعض سابقاً يرفض بالمُطلق عقد أيّ جلسة في ظلّ الفراغ الرئاسي الذي استمرّ فتراتٍ طويلة.
تفادي "الحرج" ممكن
في بيانه الأخير، قال المجلس المركزي لتيار "المستقبل"، إنه "مع الحرص الذي يسجل لرئيس المجلس النيابي على حماية نتائج مؤتمر "سيدر" واقتراح عقد جلسات نيابية لتشريع الضرورة، فإن هذا الحرص لن يكون كافياً لتوفير عناصر الحماية المطلوبة للمؤتمر، في ظل غياب السلطة التنفيذية عن القيام بمسؤولياتها الكاملة".
لعلّ هذا الموقف يختصر "الغموض" الذي يشهده "المستقبل"، فيجمع في وقتٍ واحد بين الإيجابيّة والسلبيّة من أيّ جلسة تشريعيّة. من الواضح أنّه لا يريد الصدام مع برّي، ولكنه في الوقت نفسه يخشى من "المزايدات الشعبوية" التي يمكن أن يُحدثها عقد أي جلسة اليوم، وللتيار "خبرة" مع مثل هذه "المزايدات" التي اصطدم بها مراراً وتكراراً.
وإذا كان بري يؤكد أنّ العد العكسي لهذه الجلسة بدأ، فإنّ طريقة واحدة تبقى مُتاحة أمام "المستقبل" لتفادي "حرجها"، وهي الدفع سريعاً نحو تأليف الحكومة بالاتفاق مع رئيس الجمهورية، بعيداً عن أيّ حساباتٍ داخلية أو خارجية من شأنها "إحراق الطبخة"..