نجح الإتفاق بين الرئيسين التركي رجب طيب أردوغان والروسي فلاديمير بوتين في إنهاء الجدل، الذي طغى في الأشهر الماضية، حول العملية العسكرية التي كان الجانب السوري يستعدّ لها باتجاه ادلب، بعد توافق أنقرة وموسكو على إنشاء منطقة "منزوعة السلاح"، تفصل بين مناطق سيطرة الجماعات المسلّحة، المدعومة من تركيا، وتلك التي كان الجيش السوري قد نجح في إستعادة السيطرة عليها في وقت سابق، بعد أن كانت الولايات المتحدة، بالإضافة إلى بعض الدول الأوروبية، قد هدّدت بتوجيه ضربة عسكرية لدمشق، في حال إطلاق الجيش السوري العملية العسكرية.
من الناحية العسكرية، يمكن القول أن هذا الإتفاق جاء على قاعدة "لا غالب ولا مغلوب"، بحيث أعطى أنقرة ما كانت تريده، بالنسبة إلى تجنيب إدلب معركة، كان من الممكن أن يكون لها تداعيات خطيرة عليها، في مقابل وضعها أمام إختبار الفصل بين الجماعات "المتطرفة" و"المعتدلة"، الأمر الذي لم تنجح فيه على مدى الأشهر السابقة، ضمن مهلة زمنيّة محددة، ومن الممكن، في حال فشلها، عودة العمليّة العسكريّة إلى الواجهة من جديد، بغض النظر عما حاولت بعض الشخصيات في المعارضة التسويق له.
وبعيداً عن المسار الذي من الممكن أن يسلكه هذا الإتفاق في المرحلة المقبلة، يمكن القول أنه انهى بصورة مباشرة الحرب ميدانيا على الساحة السورية، التي كانت قد بدأت في العام 2011، ليفتح الباب أمام تلك السياسيّة، التي لن تكون أقل حماوة أو خطورة، بحسب ما تؤكد مصادر سياسية مطلعة لـ"النشرة"، لا سيما مع تعدد اللاعبين الإقليميين والدوليين، بالرغم من أن ما كانت تطرحه بعض الجهات، بالنسبة إلى مستقبل الرئيس السوري بشار الأسد، بات من الماضي، بالإضافة إلى تعدد المشاريع التي قد تطرح على طاولة المفاوضات.
في هذا السياق، تشير هذه المصادر إلى أن مناطق النفوذ، الناتجة من السيطرة العسكرية على أرض الواقع، باتت واضحة، حيث تحضر أنقرة في إدلب والمناطق الأخرى الخاضعة في الشمال السوري لسيطرة فصائل "الجيش السوري الحر"، بينما تحضر واشنطن في المناطق الشمالية والشرقية عبر "قوات سوريا الديمقراطية"، في حين يجتمع كل من الروسي والإيراني والسوري في باقي المناطق التي كان الجيش السوري قد نجح في تحريرها من الجماعات المسلّحة، أما بالنسبة إلى السعودي فهو يسعى إلى الحضور عبر المناطق التي تقع تحت سيطرة "قوات سوريا الديمقراطية" من خلال المساعدات الماليّة، بعد خسارته مناطق نفوذه في الغوطة الشرقية والجنوب، في وقت تسعى إسرائيل إلى الحضور عبر الضربات الجوية التي تنفذها بين الحين والآخر، والتي تسعى من خلالها إلى الحفاظ على قواعد الإشتباك السابقة.
إنطلاقاً من ذلك، ترى المصادر نفسها أن إمكانية إندلاع معركة عسكرية كبرى باتت محدودة، باستثناء بعض الجيوب التي لا يزال تنظيم "داعش" الإرهابي يسيطر عليها، نظراً إلى أن تداعياتها ستكون خطيرة، لا سيما أن أغلب اللاعبين لا يريدون الوصول إلى مرحلة الصدام المباشر، سواء روسيا والولايات المتحدة أو روسيا وتركيا، ما يعني أن معالجة ما تبقى من أزمات من المفترض أن يكون على قاعدة الحل السياسي الشامل، الذي يضم القوى الحاضرة على المستوى الميداني، أي روسيا وأميركا وإيران وتركيا، بالإضافة إلى سوريا والأكراد وبعض الفصائل المعارضة، مشيرة إلى أن هذا الأمر كان قد بدأ من خلال المفاوضات التي إنطلقت بين الأكراد ودمشق في الفترة السابقة، قبل أن تعود إلى التوقف من جديد.
في المحصّلة، تشدد المصادر السياسيّة المطّلعة على أن كل القوى المعنيّة بالحل السياسي، أي تلك المذكورة آنفًا لناحية الحضور عسكرياً على أرض الواقع، ستعمل في الأشهر المقبلة على تعزيز أوراق قوّتها، لكنها تؤكد بأن موسكو ستكون هي اللاعب الأقوى أو ضابط الإيقاع، نظراً إلى قدرتها على التواصل مع مختلف الأفرقاء، إلا أنها تجزم بأن هذا المسار لن يكون سهلاً على الإطلاق، وربما يمتد لفترة طويلة.