من الدعوة إلى تحديد "العدو" من "الصديق"، إنطلق أمين عام "حزب الله" السيد حسن نصرالله في خطابه، خلال مراسم إحياء الليلة العاشرة من محرم، ليصل إلى إعلان الإستنفار الإعلامي والفكري للإنتباه لكل ما يقال ويُكتب، لا سيما على مواقع التواصل الإجتماعي.
في خطابه، تعمّد السيد نصرالله طرح الأفكار التي يريدها عبر مجموعة من الأسئلة، التي تصل سريعاً إلى الأجوبة الحاسمة من وجهة نظره، لا سيما عندما تطرق إلى الحديث عن دور الولايات المتحدة الأميركية في لبنان والمنطقة، ليدعو في النهاية إلى عدم التعامل معها كـ"صديق"، على الأقل، من قبل "الآخرين"، في حين أن موقف "حزب الله" منها واضح، فهي "العدو" الأساسي بينما البقايا مجرد أدوات، حتى إسرائيل نفسها، الأمر الذي من المتوقع أن يكون مادة سجال واسعة في الساعات المقبلة.
بالتزامن، كان إعلان أمين عام "حزب الله" الدعوة إلى الخروج من سياسة النأي بالنفس، مع التركيز على ضرورة الإستمرار في هذا الموقف على المستوى الرسمي بسبب الخلافات في وجهات النظر على المستوى الداخلي، نظراً إلى أن جميع الأفرقاء لم ينأوا بأنفسهم عن الحرب السوريّة، المستمرة منذ العام 2011، لكن الفرق هو في الإمكانات، مشيراً إلى أن مصير لبنان يصنع في ساحات المنطقة، وبالتالي لا يمكن إعتماد سياسة "دفن الرأس بالرمال"، إلا أن الأهم يبقى حسم السيد نصرالله الجدل حول بقاء الحزب في سوريا، عبر التأكيد بأنه باق هناك طالما أن القيادة السوريّة تجد حاجة لذلك، لكنه فتح الباب أمام تخيفض عدد القوّات المتواجدة هناك، عبر الإشارة إلى عدم وجود جبهات عسكرية كبيرة بعد تسوية إدلب، التي قال أنها جيدة ومقبولة ومرهونة بالنتائج، موضحاً أن "الأعداد سترتفع أو تنخفض حسب المعارك والجبهات والحاجة".
وفي حين جدد السيد نصرالله دعوته أكراد سوريا إلى عدم الرهان على الولايات المتحدة، لأن الأميركيين من الممكن أن يبيعوهم في أي سوق وأي سعر، فتح الباب أمام تعديل موازين القوّة مع الجانب الإسرائيلي في الساحة السوريّة، عبر الدعوة التي توجه بها إلى قادة "محور المقاومة"، التي من المفترض أن تكون موضع أخذ ورد، لدرس وإيجاد حل للإعتداءات الجوية الإسرائيلية، لا سيما بعد الغارة الأخيرة على اللاذقية، مؤكداً أن هدفها لا علاقة له بما تروج له تل أبيب، بالنسبة إلى منع نقل أسلحة إلى "حزب الله"، بل بالرغبة في منع إمتلاك الجيش السوري قدرات صاروخية رادعة.
على المستوى المحلي، كان من الواضح، بحسب خطاب أمين عام "حزب الله"، أن لدى الحزب قناعة بأن لا حكومة في وقت قريب، في ظل الخلافات القائمة بين الأفرقاء المحليين والعوامل الخارجية التي تحول دون ذلك، إلا أن الموقف كان حاسماً بالدعوة إلى الهدوء وضبط الأعصاب، نظراً إلى أن الجميع مجبرين في نهاية المطاف على الجلوس معا على طاولة مجلس الوزراء، أي أن الحزب لا يريد في الوقت الضائع أي تداعيات على مستوى الإستقرار المحلّي، لا سيما أن المنطقة تمر بمرحلة دقيقة، مع إقتراب موعد التسويات السياسية، لكن الأهم، على ما يبدو، في مكان آخر.
بالنسبة إلى الحزب، المواجهة التي يخوضها مع "الأعداء" لا تزال مفتوحة، فالإنتصارات التي تحقّقت لا تعني إنتهاء الحرب التي تأخذ أشكالاً مختلفة، من الحرب العسكريّة إلى الضغوط الماليّة والإقتصاديّة وصولاً إلى ما وصفه السيد نصرالله بـ"التسقيط"، أي الحرب التي تخاض من خلال الشائعات التي تطلق على الحزب بهدف تشويه صورته، عبر الإتهامات التي توجه إليه بالتجارة في المخدرات وغسيل الأموال، والتي دعا فيها عناصر الحزب وجمهوره إلى الثقة بالنفس وبالمسيرة، وإلى الإستنفار الإعلامي والفكري "حتى لا نعطي أحدا مادة للإستغلال".
في المحصلة، "حزب الله" أعلن "الإستنفار" لمواجهة الحرب "النفسية" التي تخاض ضده في المرحلة الراهنة، لا سيما مع الإنتصارات التي يحققها "محور المقاومة" في أكثر من ساحة، من سوريا إلى العراق وصولاً إلى اليمن، لكن في المقابل لا حكومة في لبنان في وقت قريب والمطلوب "ضبط الأعصاب".